مواضيع ذات صلة

من أرشيف مهرجان الريف الدولي للفيلم الأمازيغي في دورته السادسة بمدينة تطوان

السينما بين السياسة والدين: مقال تأملي في ضوء ندوة مهرجان الريف للفيلم الأمازيغي بتطوان

اختار مهرجان الريف للفيلم الأمازيغي في دورته السادسة بمدينة تطوان موضوعًا جريئًا لندوة فكرية حملت عنوان “السينما بين السياسة والدين”، واضعًا بذلك نفسه ومشاركيه في قلب حقل ألغام فكري وثقافي، قلّما يُقتحم دون عواقب.

هذا الموضوع الحساس، الذي يلامس مناطق التوتر في المجتمع والفكر والفن، كان امتحانًا حقيقيًا للمشاركين. الناقد السينمائي حمادي كيروم، بما يملكه من عمق معرفي ورؤية نقدية نافذة، استطاع أن يتجاوز هذا الحقل بحذر وذكاء، بينما وجد آخرون أنفسهم في مواقف متوترة، تارة بالتبسيط، وتارة بالانفجار المفاجئ للأفكار المتضاربة.

فالسياسة كما نعلم هي نسق إيديولوجي، والدين مجال للوحي والإيمان والشهادة، أما السينما فهي تعبير جمالي وشعري عن الحياة والحب. ومن هنا، فإن الجمع بين هذه العوالم في عمل سينمائي يتطلب حساسية فائقة وقدرة على التوليف، دون السقوط في المباشرة أو التبعية أو الخطاب الدعائي.

ما أفرزته الندوة في جزء منها كان استرجاعًا لنماذج من التاريخ السينمائي المغربي، الذي لم يقترب من هذين المجالين إلا بخطى خجولة، وغالبًا من زاوية واحدة، دون الغوص في عمق الوقائع أو مساءلة الأحداث التاريخية بمنظور فني خلاق. الرقابة، كانت أحد المحاور التي حضرت بقوة، بوصفها قيدًا يحاصر السينما المغربية، ويمنعها من الاقتراب من مناطق ملتهبة ومسكوت عنها.

الإشكالية الكبرى ليست في غياب الطرح السياسي أو الديني في السينما المغربية، بل في غياب المعالجة الفنية والجمالية لهذه المواضيع. ما نحتاج إليه ليس فقط الجرأة، بل الذكاء الفني، القدرة على “خلق حدث-صورة” يعبر عن الفكرة دون الوقوع في السطحية أو التبسيط أو الخوف. المخرج المغربي، إن أراد الاقتراب من هذه الثنائيات الشائكة، فعليه أن يكون مراوغًا، ذكيًا، ومتمرسًا في لعبة التورية والإيحاء.

ويحضر هنا المثال البارز للمخرج المصري يوسف شاهين، وفيلمه الشهير “المهاجر”، الذي واجه انتقادات شديدة واتهامات بتناول قصة النبي يوسف عليه السلام، غير أن شاهين أنكر ذلك بذكاء، مؤكدًا أن الفيلم لا يستلهم أي مرجعية دينية. ومع ذلك، فإن من يشاهد الفيلم يلمس بوضوح صدى القصة في مشاهده، ما يجعله مثالاً للتحوير الفني الذكي، وللعب على الحدود بين الإيحاء والنفي، بين المرجعية والابتكار.

هكذا، يصبح المطلوب من السينما المغربية ليس فقط الجرأة، وإنما القدرة على قول ما لا يُقال، بالكاميرا والمشهد والإضاءة والرمز. السينما، حين تكون فنية وجريئة، تصبح أداة لكشف الحقيقة، وأحيانًا لفضحها، لأنها فن لا يهادن ولا يجامل، بل يسائل الواقع ويكشف مستوراته.

في النهاية، تظل ندوة “السينما بين السياسة والدين” خطوة شجاعة ومطلوبة، لأنها تفتح أفقًا للنقاش حول أدوار السينما وقدرتها على المساهمة في إعادة تشكيل الوعي المجتمعي، بشرط أن تظل وفية لجوهرها: الفن، لا الخطاب.

 

بقلم: يوسف خليل السباعي