مواضيع ذات صلة

حين يتحدث القفطان المتحف ينصت وبنبض بالحياة

في زوايا المتاحف المغربية، لا تُعرض القطع على أنها من بقايا الماضي، بل كأنها أرواح تهمس بما مضى، وتلمّح لما تبقى.
وفي ركن تغمره إضاءة خافتة، يقف القفطان المغربي على دمية جامدة، لكن حضوره حيّ، و صوته واضح لمن يعرف كيف يصغي.
هذا اللباس الذي ولد في مراكش، و نضج في فاس، و تأنق في تطوان و الرباط، لم يكن يوما مجرد قطعة قماش. لقد كان مرآة لهوية متعددة، وسفيرا لذوق رفيع، وخيطا ذهبيا ربط بين الحارات والدروب، بين العائلات، بين المدن… وأحيانا بين الأديان.
في اليوم العالمي للمتاحف، لا يمكن الحديث عن الذاكرة المغربية دون أن نمر عبر القفطان، والجبادور، والسلهام، والجلابة، والعمامة، وكل تلك التفاصيل التي حيكت بالصبر، وسقيت بأنامل نساء لم يدخلن الجامعات، لكنهن ورّثن فنا لا يُدرّس.


خياطات سهرن تحت ضوء الزيت، وعجنّ الحرير بالدعاء، وجعلن من كل غرزة قصة.
في متحف دار الباشا بمراكش، أو متحف اللباس التقليدي بفاس، أو حتى في معارض مؤقتة من تنظيم وزارة الثقافة، تُعرض قطع حقيقية، أصيلة، مرّت عبر الأجيال. بعضها مضى عليه أكثر من مئتي عام، لكنه لم يفقد لونه، ولا هيبته. بل يبدو كأنه فقط ينتظر عودة العرس، والعود، والحناء.
وحين سجّلت منظمة اليونسكو القفطان المغربي ضمن التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، لم يكن ذلك مجاملة. كان اعترافا بما يعرفه المغاربة عن أنفسهم منذ قرون: أن القفطان ليس لباسا… بل ذاكرة. ليس ثوبا… بل بيان صامت عن الذوق، والانتماء، والقدرة على تحويل القماش إلى قصيدة.
في كل متحف مغربي، قطعة تروي حكاية. قفطان من القرن الثامن عشر، مطرز بخيوط من فضة وذهب. جلابة نسجتها نساء من الأطلس وارتدتها فلاحة لا تعرف أن ثوبها سيقف يوما خلف زجاج فاخر. عباءة أندلسية، هاجرت مع العائلات إلى شفشاون، وظلت تحفظ في ثنياتها أسماء من رحلوا.
اللباس التقليدي لا يُعرض لأنه عتيق، بل لأنه مليء بما لا يُقال. هو ذاكرة يمكن لمسها، وارتداؤها، ونقلها من يد إلى يد، ومن جيل إلى جيل.
لذلك، حين تزور متحفا، لا تمر مرور السائح. تمهل أمام دمية ترتدي قفطانا. تأمل التفاصيل. تخيل اليد التي خيطته، و الصدر الذي احتضنه، و العرس الذي زفت فيه فتاة مغربية نحو مستقبل كانت تظنه بسيطا لكنه كان مشعا.
ما تراه ليس ثوبا. ما تراه امرأة . و زمن. و بلدا كاملا يهمس لك… كن جميلا أنت أيضا، و اخلد في ما تصنع.
محمد تابت
مادة أعدت عن اليوم العالمي للمتاحف 18 ماي