في زمن تكثر فيه التساؤلات وتقل فيه الإجابات العميقة، نعود إلى عمالقة الفكر الفلسفي: أفلاطون وأرسطو. يجتمعان في لقاء فكري يتبادلان فيه الآراء حول معنى الفلسفة ودورها في بناء الإنسان والمجتمع، بين عالم المُثل الذي نادى به أفلاطون، والواقع العملي الذي شدد عليه أرسطو. نقاش يحمل في طياته أسئلة لا تزال حاضرة في عصرنا، وإجابات تُلهم الأجيال الجديدة للتفكير والسعي نحو الحقيقة.
*أفلاطون:* أرسطو، تلميذي النجيب، لطالما تساءلت: ما معنى الفلسفة بالنسبة إليك اليوم؟ هل ما زلت تراها علماً عملياً كما كنت تقول، أم أنك بدأت تدرك أنها رحلة في عالم المُثل كما أؤمن أنا؟
*أرسطو:* أستاذي العزيز، الفلسفة في نظري ما تزال بحثاً عن الحقيقة، لكنها ليست محصورة في عالم المثل وحده. هي دراسة للوجود كما هو، وتحليل لأسباب الأشياء وغاياتها. أنا لا أنكر أهمية المُثل، لكنني أرى أن العالم المحسوس هو البداية والمنطلق.
*أفلاطون:* ولكن، ألا ترى أن الواقع مليء بالتناقض والزيف؟ وأن الحقيقة الخالدة لا تُدرك بالحواس، بل بالعقل الذي يسمو فوق المادة؟
*أرسطو:* صحيح أن الحواس قد تخدع، ولكن العقل وحده أيضاً قد يضللنا إن لم يرتكز على ما هو محسوس وواقعي. الفلسفة عندي هي التوازن بين التجربة العقلية والملاحظة الحسية، لا يمكننا بناء نظرية سليمة إن لم ننطلق من الواقع لفهمه.
*أفلاطون:* لعلنا نختلف في المنهج، لكننا نتفق في الغاية. أنا أبحث عن المدينة الفاضلة التي تحكمها العدالة والعقل، أما أنت فتبحث عن النظام القائم على المنطق العملي. لكن هل تعتقد أن الإنسان يمكنه أن يبلغ الحكمة من دون الفلسفة؟
*أرسطو:* مستحيل. الفلسفة هي التي تفتح الأفق أمام الإنسان ليتساءل ويحلل ويكتشف. إنها ليست ترفاً فكرياً، بل حاجة روحية وعقلية. من دونها، يبقى الإنسان سجين عاداته وظنونه
*أفلاطون:* وهذا ما كنت أؤمن به. فالفيلسوف هو الطبيب الحقيقي للروح. من خلال الحوار والتفكير، يعالج أمراض الجهل والغرور. لكن قُل لي، كيف ترى علاقة الفلسفة بالأخلاق؟
*أرسطو:* الأخلاق، في رأيي، هي لب الفلسفة. الفضيلة لا تُكتسب بالوراثة، بل بالتعلم والممارسة. وقد كتبتُ عن “الاعتدال” كأعظم الفضائل. أعتقد أن الفيلسوف يجب أن يكون قدوة في سلوكه قبل أن يكون معلماً في فكره.
*أفلاطون:* جميلة هي دعوتك للاعتدال. وأنا طالما دعوت إلى سيادة العقل على الشهوة، والحكمة على الانفعال. في النهاية، هدفنا واحد: بناء الإنسان الحر، العاقل، المتزن.
*أرسطو:* بالفعل. ورغم اختلاف أساليبنا، فإن الفلسفة كانت دائماً نبراساً يقود الإنسانية نحو النور. نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى، في زمن كثر فيه الضجيج وقلّ فيه التفكر.
*أفلاطون:* فليكن هذا الحوار رسالةً للجيل الجديد: لا تهابوا الفلسفة، فهي مفتاح الفهم العميق للعالم والذات.
*أرسطو:* نعم، ولتكن البداية دائماً بسؤال بسيط… لكن حقيقي.
ليلى مدون