مواضيع ذات صلة

عن رحيل الأيقونة والهرم ومبدعة القرن سمحية أيوب

يصيبنا اليتم الفني برحيل الأيقونة سميحة أيوب، فنانة بقيمة جيل فني يمثل مرحلة زاهرة ومؤسسة

تمثل سميحة أيوب سيرة مسار فني عربي كبير، نعتبره عنواننا ونبراسنا وهويتنا على عدة مستويات، برحيلها نشعر باليتم الفني المسرحي خاصة والدرامي عموما، نشعر بأن ركنا قويا من بناء عمار شامخ سقط، عزاؤنا أنها تركت لنا سيرة نضال وإبداع وفن وحياة وحضور وزان، نقول معالم مصر أرض الكنانة الأهرامات وباقي المعالم، وتضاف إليهم سميحة أيوب.
الآن علينا أن نلتف إلى ذاتنا الجمعية ونحتفي بروادنا ونقترب منهم، ونستلهم نهج الطريق، ونقول هذا مسير مهده لنا الرواد وعلينا أن نمهد الطريق للقادمين، فالعزاء الكبير لنا جميعا، العزاء لكل العرب للعالم في فنانة من طينة وطن وكون..

أحمد طنيش رئيس تحرير MA5TV الثقافية

تسدل الستارة على حياة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب

أمينة عباس – دمشق

اختارتها الهيئة الدولية للمسرح(ITI) لإلقاء كلمة اليوم العالمي للمسرح في اليونسكو، وذلك في عام 2023 وتعليقاً على هذا الاختيار، قالت في تصريحا لها حينها “المسرح هو حياتي، لذلك سعدت بمنحي شرف إلقاء كلمة في الاحتفال بيوم المسرح العــالمي، الذي يحتفي بفنون المسرح، ويؤكد على أهميته وتأثيره على جميع مناحي الحياة، ودوره الهام في الترفيه والتوعية وبناء الوجدان”.

عملاق المسرح

لقبت ب”عملاق المسرح” و”غول التمثيل” إلا أن اللقب الذي ظلت تحمله هو سيدة المسرح العربي وهي التي وقفت على خشبة أعظم المسارح العربية والعالمية وقد عملت مع أربعة مخرجين عالميين هم الروسى رسلى بلاتون في مسرحية”الخال فانيا” لانطون تشيخوف, والألماني كورت فيت في مسرحية دائرة الطباشير القوقازية لبرتولد بريخت, والفرنسى جان بييرلاروى في مسرحية جان راسين لفيدرا , والانجليزي برنارد جوس في مسرحية انطونيو وكليوباترا لوليم شكسبير، وقد بلغ رصيدها في المسرح ما يقرب من 180 مسرحية .

أصغر طالبة في المعهد

في الحديث عن بداياتها في الفن تؤكد أنها دخلته بالصدفة حين رافقت إحدى زميلاتها بالمدرسة للتقدم لاختبارات معهد التمثيل وكانت لجنة الاختبار مكونة من ممثلين كبار أمثال يوسف وهبي وجورج أبيض وزكي طليمات وبعد الانتهاء من اختبار جميع الفتيات، سألوها إن كانت تحب التمثيل؟ فأجابت بنعم وهي التي لم يخطر ببالها يومًا أن تصبح ممثلة فطلبوا منها تمثيل أحد المشاهد ولكنها لم تنجح إلا أن الفنان جورج أبيض الذي كان أكثر أعضاء اللجنة حماسًا لها أقنع باقي الأعضاء بقبولها داخل المعهد كطالبة مستمعة لمدة سنتين لصغر سنها حيث كانت في الرابعة عشر من عمرها على الرغم من اعتقاد زكي طليمات أنها لا تصلح للتمثيل والذي سرعان ما غير رأيه بها بعد دخولها المعهد1949 حين لاحظ حفظها لجميع ملاحظاته وتنفيذها بدقة ومهارة عن باقي زميلاتها، الأمر الذي جعله يكتب مذكرة إلى وزير المعارف وقتها، لاستثنائها من شرط السن وقبولها كطالبة نظامية قبل مرور السنتين، فقَبِل الوزير لتصبح أصغر طالبات المعهد سنًّا، واعترف طليمات لها بأنه كان مخطئًا في تقديره لموهبتها، قائلًا: “لأول مرة يخونّي ذكائي” فتبنّاها فنيًا وأُلحقها بفرقة المسرح الحديث لتقدم أول أدوارها المسرحية من خلال مسرحية “البخيل” للكاتب الفرنسي موليير، ثم شاركت في عدة مسرحيات تحت إشرافه حتى جاءتها الفرصة لأداء دور البطولة في مسرحية “كسبنا البريمو” عام 1959 والتي لاقت نجاحًا كبيرًا لفت الأنظار إليها.

روائع الأدب العالمي

قدمت روائع الأدب العالمي على خشبة المسرح، لكبار الكتاب العالميين: أنطونيو وكليوبترا لوليام شكسبير، فيدرا لجان راسين، دائرة الطباشير القوقازية لبرتولت بريخت، البخيل لجون موليير، الندم لجان بول سارتر، والخال فانيا لأنطون تشيخوف، كما مثّلت مسرحيات أيضًا لكبار الكُتّاب المصريين : مصرع كليوباترا لأحمد شوقي، السلطان الحائر لتوفيق الحكيم، سكة السلامة لسعد الدين وهبة، الوزير العاشق لفاروق جويدة، العباسة لعزيز أباظة، ست البنات لأمين يوسف غراب، حبيبتي شامينا لرشاد رشدي، الناس اللي في التالت لأسامة أنور عكاشة، وست الملك لسمير سرحان، رشحتها أم كلثوم لأداء دور رابعة العدوية في مسرحية تحمل نفس الاسم للإذاعة، وأدت الدور وكانت أم كلثوم تحضر تسجيل المسرحية كل يوم.

إليكترا في مصر

حضر الفيلسوف والكاتب الفرنسي الشهير جان بول سارتر إحدى مسرحياتها وكانت بعنوان ” الندم” وأُعجب جدًا بأداءها القوي قائلًا: “أخيرا وجدت إليكترا في مصر” وكان يقصد شخصية البطلة في المسرحية، ووصفها الكاتب إحسان عبد القدوس بـ ” أنها شامخة كبرج الجزيرة”، وعندما قابلها ذات مرة قال لها إنه لم يشاهِد والدته فاطمة اليوسف وهي تمثل من قبْل، ولكنه عندما شاهد أيوب على خشبة المسرح، تمنّى لو أن أمه كانت تمثل بالطريقة ذاته كما كتب عنها الكاتب والصحفي د.زكي مبارك عقب حضوره لأول مسرحية قامت ببطولتها بعنوان “كسبنا البريمو” مقالة قال فيها: “إن لديها حضورٌ رهيب”، وهو ما فعله أيضاً الكاتب أنيس منصور بعد مشاهدته لدورها في مسرحية “المأخوذة” لتمكنها من أداء الدور ومصداقيتها. في حين أطلق عليها د. عمرو دوارة الملقب ب “حارس ذاكرة المسرح المصري”في كتابه الذي أصدره عنها لقب ” فنانة الأجيال” لمعاصرتها وتعاونها مع عدد كبير من المخرجين والممثلين المصريين ورأى في تصريح له أنها تعادل مكانة فاتن حمامة بالسينما، وأم كلثوم في الغناء، وأنها بلا شك سيدة المسرح وأحد رموزه الحاليين ، وقد دفعت أيوب بقدرتها الفائقة على الأداء المتنوع الكاتب خيرى شلبى للكتابة عنها قائلاً: ” الوداعة والشراسة توأمان فى عينيها وهى مارد على المسرح وتذوب شخصيتها فى الدور وتظل تحمل همومه وأوجاعه وانه من المؤكد انك ستظل وقتا طويلا بعد انتهاء المشاهدة ترى سميحة أيوب باعتبارها شخصية الدور وترى شخصية الدور باعتبارها سميحة أيوب”.

المسرح القومي بيتي

انضمت سميحة أيوب إلى المسرح القومي المصري الذي كانت تقول عنه “هو بيتى الذى لا يمكننى الاستغناء عنه”، وقدمت من خلاله العديد من المسرحيات التي اعتبرها النقاد علامات في طريق المسرح خاصة و كانت لكبار كتاب المسرح مثل سعد الدين وهبة ويوسف ادريس والفريد فرج وتوفيق الحكيم وغيرهم، ويرى النقاد أن مسرحيات : سكة السلامة، السبنسة، الندم، الوزير العاشق، السلطان الحائر، هي من أروع المسرحيات التي قامت ببطولتها وهي التي استلمت العديد من المناصب، منها مدير المسرح الحديث، حين كان يعاني من تدهور شديد، وفي خامس يوم من توليها المنصب، قامت حرب تشرين المجيدة، فشكّلت الجمعية العمومية للمسرح، وكلّفت أعضاءها بالتفكير في عمل مسرحي خلال 48 ساعة، فكانت مسرحية “مدد مدد شدي حيلك يا بلد”، من ألحان الموسيقار محمد نوح وأشعار مجموعة من الشعراء ونجحت المسرحية نجاحًا مدويًّا، وكتبت وكالات الأنباء الأجنبية عنها قائلة: “مصر تغني تحت قذف المدافع”، مما أدى إلى النهوض بالمسرح الحديث من كبوته، على يد مديرته الجديدة، وفي هذه الأثناء، كان حال المسرح القومي سيئًا، فطلب منها الكاتب يوسف السباعي وزير الثقافة وقتها، أن تترك المسرح الحديث لتصبح مديرًا للمسرح القومي عام 1975 أملًا في تحقيق النجاح الذي حققته في الحديث، فوافقت، ونجحت أيضًا في النهوض به من خلال تقديمها لمسرحية بعنوان “فيدرا” للكاتب الفرنسي جان راسين، وأدت دور البطولة بها وكان من الأدوار الصعبة والمعقدة وهي التي قدمتها أيضاً على مسرح أوبرا كوميك في فرنسا لمدة 15 يومًا فانبهر الفرنسيون بأدائها المميز القوي، وقد استمرت أيوب في إدارتها للمسرح القومي لمدة 14 عامًا، وهي أطول مدة قضاها مدير فيه.

المخرجة

خاضت أيوب تجربة الاخراج في المسرح عام 1972من خلال مسرحية :” مقالب عطية ” إعداد الشاعر المصرى سمير عبد الباقى عن “مقالب سكابان لموليير” ثم قدمت تجربتها الثانية “ليلة الحنة” لفتحية العسال وهى المسرحية التى أصرت ايوب على إنتاجها على نفقتها الخاصة وكانت ذات طابع سياسى تحلل المسؤولية الفردية تجاه المجتمع، ولانشغالها الدائم كممثلة اكتفت أيوب بهاتين التجربتين.

تأسيس نادي المسرح المصري

أسست في عام 1979جمعية نادى المسرح المصرى لتتمرد على قيود السلطة الإدارية التى أخذت تضيق الخناق على حرية الإبداع المصري خاصة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد واختفاء الأعمال المسرحية ذات النزعة الوطنية والتي تنتمي للتراث العالمي والعربي ذات المضامين السياسية والاجتماعية والفكرية وجاء بيان النادى : “لقد وقفنا طويلا نتساءل ماذا يمكن أن نفعل لمسرح يسقط وماذا يمكن أن نقدم لحركة فنية تنحدر إلى الهاوية يوما بعد يوم؟ وما هو الحل كى يظل الفن فى مصر جذوة تضئ للبشرية طريقها وتبقى للكلمة الصادقة قيمتها ؟ تساءلنا : كيف يمكن أن يظل المسرح محتفظا بقيمته حيث يقدم الحقيقة عارية بلا زيف أو رياء ؟” وبعد إشهار النادي التف حولها فنانو المسرح القومى وخيرة المخرجين والكتاب والنقاد وكان من أولوياتهم إنشاء مهرجان للمسرح العربى كانت دورته الأولى فى القاهرة و الثانية فى الدوحة لكسر جمود الخصام السياسى والانفتاح على التجارب والفنون العربية.

 

تراجع المسرح كثيرا

تعترفت أيوب في أغلب حواراتها بأنها كانت على الدوام تفضل العمل في المسرح عن السينما، وأنها غير راضية عن معظم أدوارها السينمائية كونها لم تُرض غرورها الفني، عكس ما كانت تقدمه على خشبة المسرح من فكر تنويري وأدوار مركبة، مما جعلها تعشق المسرح وتعتبره بيتها الأول، مبينة أنها تشعر وهي واقفة على خشبة المسرح بأنها تمتلك العالم كله في يدها وترى عيون الجمهور كالنجوم المتلألئة فتشعر معهم بالدفء والحنان والإحتواء والحب، فمتعة المسرح لا تضاهيها أي متعة، مؤكدة أن المسرح مرآة للمجتمع، فإذا كان المجتمع مضطربًا أصبح المسرح مضطربًا، وإذا كان المجتمع متقدمًا أصبح المسرح متطورًا وناجحًا، وأنه أداة ثقافية تنويرية حضارية إنسانية اجتماعية تربوية ويؤسفها أن المسرح الذي هو رافد من روافد الابداع قد تراجع كثيرا مبتعدا عن الرسالة الحقيقة له بسبب والتهريج واستسهال المسرحيين الذين يقدمون أعمالاً بلا هدف أو مضمون ومن أجل إضحاك الجمهور فقط وهذا ما ترفضه رفضاً قاطعاً لأن المسرح بالنسبة لها شئ مقدس لذلك نصحت كتاب المسرح أن يقدموا أعمال تخاطب الشباب والأم والأب لتوجه رسائل توعية في أهم القضايا التي تحيط بنا خاصة في الفترة الحاليه، وعن غيابها عن المسرح لمدة طويلة قالت: هناك العديد من المؤلفين يقدمون عروضًا جيدة ولكن نوعية المسرحيات لا تستحمل الثقل التي قدمته قبل ذلك، ولكن إذا عرض علي عمل أشتهيه لن أتردد في تقديمه فورًا، فأنا لا يمكن أن أشارك في عمل إلا إذا كنت أحبه، ولم أعمل من أجل المادة والدليل عملي في المسرح طيلة عمري فالمسرح فقير وكنت أعمل في التلفزيون والسينما كي أصرف علي المسرح الذي أقدمه.

صوت مميز

عرفت بثقافتها الواسعة وحبها للاطلاع، فهي كانت قارئة جيدة في جميع المجالات وليس في الفن فقط، وهي ترى أن الفن والثقافة توأمان، فالقراءة تُصقل الفنان وتوسع مداركه وتنمي ذكائه الفني، كما أنها تحب الشعر وتؤديه بصوتٍ مميز ومعبر وصفه الكاتب خيري شلبي: “صوت سميحة أيوب يعطيك الانضباط في شخصيتها، مثل النقود التي تضعها في أحد البنوك، تعرف متى تبخل بها، ومتى تنفقها، ومتى تجزل العطاء”، وذلك كناية عن قدرتها الفائقة على التحكم في صوتها وطبقاته حسب كل موقف وكل جملة، في حين قال عنها الشيخ أحمد حسن الباقوري في أحد البرامج التلفزيونية: “أحب أن أسمع اللغة العربية من فم السيدة سميحة أيوب”.

أوسمة وجوائز

حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مشوارها الفني، منها وسام الجمهورية في العلوم والفنون من جمال عبد الناصر في عيد العلم في منتصف الستينيات، وسام بدرجة فارس من الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان، دكتوراة فخرية من جامعة عين شمس عام 2016، إطلاق اسمها على القاعة الرئيسية بالمسرح القومي في العام نفسه، جائزة الدولة التقديرية.