في أول أفلامه، يضيء ستيف ماكوين على بوبي ساندز، المناضل الإيرلندي (١٩٥٤ – ١٩٨١)، عبر سرد بصري عنيف ومشحون، حيث تتحوّل الزنزانة إلى خشبة مسرح للكرامة والمهانة. نحن في سجن ماز مطلع الثمانينات، في قلب صراع سياسي وأخلاقي لا يحتاج إلى تعليق: السجناء يطالبون باعتراف سياسي، وتاتشر تردّ عليهم بتصنيفهم كإرها(…). من هنا تبدأ رحلة الاعتراض: عري، اتساخ، إضرابات، وبراز يرسم دوائر على الجدران كصرخة تشكيلية.
ماكوين لا يغرق في التفاصيل المجانية. يختار القسوة، ولكن ببطء زمني محسوب، وكأن الزمن نفسه سجين في قبضة السلطة. لا كلام، لا موسيقى مهدّئة. فقط البول يتسلل تحت الأبواب، والديدان تتكاثر، والجسد يُهان حتى يصبح وسيلة دفاع: حيناً مخبأ للرسائل، وحيناً سلاحاً بيولوجياً ضد القمع.
في نقطة التحوّل، يظهر بوبي ساندز (مايكل فاسبيندر) كقائد فردي، في مواجهة مذهلة مع الأب موران، ضمن مشهد حواري طويل يستحضر كلّ الأسئلة الوجودية: أين تنتهي المقا.ومة؟ هل من قضية تبرر تدمير الذات؟ الكاهن يذود عن الحياة، والسجين عن الخلاص. في خلفية الحوار، تطفو طفولتهما المشتركة، كذكرى نقية وسط العفن.
لا يبني الفيلم بطولة رثائية، لكنه يقترح أن الهزيمة قد تكون انتصاراً رمزياً. ومع أن الجسد يذوي، فإن روحه تتحوّل إلى ما يشبه الطائر. فالصمت الأخير ليس موتاً، بل ارتقاء. ماكوين، الذي يقدّم في هذا العمل أطروحة بصرية شديدة الاتصال بالجسد، ينجح في منح الألم لغة لا تحتاج إلى ترجمة.
سينما ستيف ماكوين
