بقلم : دعاء سميح
ليست السينما مجرد شريط متحرك من الصور، بل هي مرآة خفية تعكس ما لا يُقال، وتُفكّك ما يختبئ خلف الوجوه واللغة والشارع. في المغرب، حيث يتقاطع اليومي بالأسطوري، والحلم بالواقع الخشن، وُلدت سينما تحاول أن تطرح أسئلتها الخاصة، أن تفكّر بالصورة، لا بالكلمات فقط.
منذ عقود، والمشهد السينمائي المغربي يعيش تجاذبات متباينة، بين محاولات الانفتاح على الذات الشعبية، والتطلّع إلى لغة سينمائية كونية قادرة على إيصال الحكاية المغربية للآخر. فالمخرج المغربي لم يعد مجرد راوٍ بسيط لقصة تقليدية، بل صار باحثًا عن جماليات جديدة، وعن صوتٍ سينمائيّ يخرج من رحم المجتمع دون أن يغرق في المباشرة أو الفولكلور.
ولعلّ الملاحظة الأولى التي تُسجّل اليوم، هي أن السينما المغربية باتت أكثر جرأة في طرح قضايا مسكوت عنها. لم تعد تخجل من مناقشة العنف، الفقر، السلطة، الجندر، والدين، بل أصبحت تستثمر في تلك المناطق الرمادية التي كانت في الماضي تُعتبر “خطوطًا حمراء”. لم تعد الصورة محايدة، بل صارت تُفكّر، تُقاوم، وتُربك. هكذا تحوّلت بعض الأفلام إلى وثائق إنسانية جريئة، تفضح الصمت العام، وتمنح الهامش صوته المبحوح.
وفي المقابل، ظهرت أفلام تميل إلى الحلم، وتنسج مشاهدها في أجواء شاعرية تتحدى قسوة الواقع. أفلام تُراهن على الجمال البصري، وعلى الإيقاع البطيء الذي يُشبه التنفس العميق. فهي لا تركض خلف الإثارة، بل تنقّب في التفاصيل الصغيرة للحياة اليومية، كأنّها تُحاول أن تعيد تعريف ما هو إنساني.
لكن بين الحالم والناقد، بين الواقعي والفني، يبقى السؤال المركزي: هل نجحت السينما المغربية في أن تمسّ قلوب جمهورها؟ هل استطاعت أن تكون مرآةً صادقة لما نعيشه ونخفيه؟
الجواب لا يكون برقم تذاكر أو جوائز دولية فقط، بل في التأثير الحقيقي للصورة في وعي الناس. والصورة التي تُفكّر، لا تكتفي بأن تُعجبنا بصريًا، بل تُرغمنا على أن نعيد النظر في أنفسنا، في واقعنا، وفي اختياراتنا.
لقد دخلت السينما المغربية اليوم منعطفًا حساسًا، بين تطوّر التقنيات، وانفتاح منصات العرض الرقمي، وتبدّل الذوق الجماهيري. لكن، وسط هذا كله، ما زالت هناك تجارب تُثبت أن الصورة حين تحمل صدقًا، يمكنها أن تُفجّر المعنى، وأن تحوّل الحلم إلى سؤال مفتوح.
هكذا، تبقى السينما المغربية، رغم تعثراتها، تجربة حيّة. ليست مجرد صناعة، بل مشروع ثقافي، فكري، وجمالي، يُراكم الوعي، ويمنحنا لحظة صافية من التأمل في هذا الوجود القلق.