مواضيع ذات صلة

الفن المغربي… حين تصير الحياة لوحة تتنفس

بقلم: محمد تابت
في المغرب، لا يولد الفن داخل قاعات العرض فقط، بل يولد في الأزقة، في المقاهي القديمة، في أصابع الجدّات، وفي أنفاس الحرفيين وهم ينفثون الروح في النحاس والخشب والطين.
الفن هنا لا يُدرَّس فقط، بل يُورّث. لا يُعلق على الجدران، بل يُلبَس، يُعاش، يُشرب مع الشاي، ويُصلى به حين ينقش على جدران الزوايا.
تسير في المدن القديمة، فتشعر أن الجدران تراك. لا لأنك تمرّ، بل لأنها تذكّرك أنك تنتمي. أن هذا الجمال ليس ترفًا بصريًا، بل نداء داخلي يقول لك: “ها أنت ذا، وسط نفسك”. الزليج لا يصنع ليبهر فقط، بل ليصلي. الخشب لا ينقش ليُباع، بل ليحفظ ذاكرة يدٍ لم تعد على قيد الحياة، لكنها حيّة في الأثر.


الفن المغربي، في عمقه، ليس فقط تعبيرًا جماليًا، بل حالة وجود. شيءٌ يشبه الصمت الذي ينبت فيه الدعاء، يشبه الزخرفة التي لا تراها أول مرة، لكنها تسكنك إلى الأبد. هو التقاء البسيط بالرفيع، الشعبي بالملكي، اليومي بالروحي.
قد تجد قطعة فنية في طبق من طين صنعته امرأة أمازيغية، كما تجدها في محراب مرصع في مسجد بفاس. الفرق الوحيد هو أن الأولى ابتُكرت بدفء القلب، والثانية بعلم الأيدي، وكلاهما صادق.
وما يُدهشك أكثر، أن هذا الفن لا يشيخ. فحتى الشباب الذين يحملون البخاخ ويرسمون على الجدران، يفعلون ذلك بنفس الوجدان الذي خطّ به أسلافهم الزخرفة على قباب القصور. لا فرق، سوى في اللغة. الرسالة واحدة: لا نريد أن نعيش دون أثر، دون جمال، دون موسيقى تُرى بالعين.
الفن في هذا البلد، هو طريقة للبقاء. للبقاء إنسانيين، وسط ما لا إنسانية فيه. هو رغبة في الإمساك بالزمن، لا لنُحنّطه، بل لنُعطيه حياة أخرى.
إننا حين نحب فناً، لا نحب الألوان، بل نحب الطريقة التي تجعلنا نرى بها أنفسنا من جديد. نحب الدهشة التي تُعيد ترتيب أرواحنا دون أن نشعر.
وربما لهذا السبب، سيظل الفن المغربي، في كل تجلياته، فنا لا يُصنع فقط، بل يُحَبّ. لا يُحَلَّل، بل يُحس.
هو همس الأجداد في آذاننا، حين يطغى علينا ضجيج العالم. هو الجزء الأجمل فينا… ذاك الذي لا يُقال.