مواضيع ذات صلة

الموسيقى المغربية… نَغَمُ الذاكرة وأُنس العيد

بقلم: هدى بن الغالية
في كل بيت مغربي، حين يحل العيد، لا تكون الفرحة مكتملة إلا حين تنبعث الموسيقى. ليست موسيقى العيد مجرد خلفية صوتية تُزيّن اللحظة، بل هي طقس قائم بذاته، يحفر في الوجدان مشاعر الانتماء والدفء والحنين. من الأهازيج الشعبية البسيطة إلى نوبات الطرب الأندلسي، ومن نغمات الدفوف النسائية في البوادي إلى أنغام الكمنجة في المدن العتيقة، تبدو الموسيقى المغربية في العيد وكأنها صلاة جماعية بلا كلمات.
تتبدل تفاصيل الزمان، وتتنوع الأمكنة، لكن ما يبقى ثابتًا هو ذلك الشغف بالموسيقى، كأداة لاستحضار المعنى في قلب المناسبة. فالعيد ليس فقط فرحة الأطفال بالملابس الجديدة والحلوى، ولا لقاء العائلة فحسب، بل هو أيضًا مناسبة يُستعاد فيها الصوت الجماعي للمجتمع. في البيوت، تُشغّل الأغاني التقليدية القديمة، بعضها ارتبط في الذاكرة بجلسات الفطور في صباحات العيد، حيث الشاي بالنعناع والبيصارة والجبن البلدي، وموسيقى عبد الهادي بلخياط أو عبد الوهاب الدكالي تدغدغ الروح.
وفي المدن الكبرى، لا تخلو الأحياء الشعبية من حلقات موسيقية عفوية، يجتمع فيها الشباب حول دفوف صغيرة، يؤدون أغانٍ من فن العيطة أو كناوة، وقد تتداخل أصواتهم مع صيحات الأطفال في الأزقة. أما في القرى والبوادي، فإن النسوة، وهنّ يرتدين القفاطين المطرزة، يتناقلن أهازيج العيد جيلاً بعد جيل، فتُصبح الموسيقى وسيلةً لحفظ الموروث أكثر مما هي مجرد متعة.
الموسيقى المغربية في أجواء العيد لا تنفصل عن أبعادها الروحية والرمزية. فهي ليست فقط وسيلة للتسلية، بل تعبير عن توازن داخلي، عن الامتلاء بالسكينة، عن لحظة تلتقي فيها الروح بالجذور. ولعل أبرز تجلٍّ لهذا الجانب يتضح في الأناشيد الدينية والابتهالات التي تُنشد في الزوايا والمساجد احتفالاً بالمناسبات الدينية. فحتى حين تُغنّى، تظل الموسيقى متصلة بالمقدس، تحافظ على طابعها النقيّ والمتأصل في الأعماق.
وفي زمن الحداثة الرقمية، حيث استُبدلت الكثير من الطقوس بالشاشات، لا تزال الموسيقى تمثل رابطًا حيًا بين الأجيال. فعلى مواقع التواصل، ينتشر في صباح العيد مقطع تقليدي أو أغنية شعبية، يتشاركها الأحبة كما يتشاركون المعايدات. وهكذا، تمتزج الأصالة بالتجديد، ويظل العيد لحظة تُعاش بكامل الحواس، تتصدرها الموسيقى كقلب نابض.
إن الموسيقى في المغرب ليست فقط تعبيرًا عن الذوق أو الثقافة، بل هي جزء من الهوية. وفي لحظة العيد، تصبح هذه الهوية أكثر وضوحًا، أكثر دفئًا، وأكثر إنسانية. ولأن العيد مناسبة تُغنّى قبل أن تُقال، فإن كل مغربي يحمل في قلبه مع العيد نغمةً ما… نغمة لا تُنسى.