مواضيع ذات صلة

تحولات الفن التشكيلي المغربي: من التراث إلى الحداثة

إعداد : دعاء سميح
يمشي الفن التشكيلي المغربي على خيطٍ دقيقٍ يشدّه من جهةٍ ماضٍ غنيٌّ بالألوان، ومن الجهة الأخرى حداثة تجرّه نحو مفاهيم جديدة، وأشكال تعبيرية لا تحدّها القوالب. في هذا التوازن المرهف، تتجلّى الروح المغربية وهي تعيد صياغة ذاتها على قماش اللوحات، أو في نحت صامت يعانق الضوء، أو حتى في خربشات طفولية على جدار متهالك في درب شعبي.
لم يكن الفن التشكيلي في المغرب وليد اللحظة. لقد خرج من رحم الحرف التقليدي، من زخرفة الخشب، ومن جمالية النقش على الجبس، ومن حكايات الجدّات وهي تُطرّز الذاكرة بخيوط الحرير. ومن هناك، من أعماق البيوت المغربية، بدأت تتشكل أولى معالم التشكيل المغربي، في صمتٍ حميميّ، بعيدٍ عن صالات العرض وضجيج العواصم الثقافية.


لكن الزمن تغيّر. وجاءت لحظة اختار فيها الفنان المغربي أن يخرج إلى العلن، حاملاً تراثه لا كحِملٍ ثقيل، بل كمنجم يستخرج منه ما شاء من رموز، وألوان، وملامح. وهكذا بدأت مرحلة جديدة، حمل فيها التشكيل المغربي علامات التجدّد، دون أن يتنكّر لجذوره. ظهرت أسماء وازنة، وبدأت اللوحة المغربية تشقّ طريقها إلى العالم، حاملةً هويّةً بصريةً فريدة، فيها من حرارة الجنوب كما فيها من صفاء الأطلس، ومن صوفية المدن القديمة كما من ضجيج المدن الحديثة.
الفنان اليوم لم يعُد فقط ناقلًا للجمال، بل صار شاهدًا على التحوّلات. بعضهم يرسم المدن وهي تتآكل ببطء، وبعضهم يلوّن الوجوه الغامضة التي صارت تسكن الشوارع، وآخرون يتركون اللون يتكلم عنهم حين تعجز الكلمات. واللوحة، في كل هذا، صارت مرآةً للذات، وأحيانًا ملجأً من قسوة الواقع.
لكن رغم كل هذا التقدّم، يبقى سؤال الهوية حاضرًا بإلحاح. هل يمكن للفن أن يظل مغربيًا وهو يقتبس من المدارس الغربية؟ وهل تضمن العالمية عدم الذوبان؟ تلك معركة يخوضها الفنان المغربي بصمت، محاولًا أن يظل مخلصًا لذاته، وهو يفتح أبواب اللوحة لرياح العالم.
إن الفن التشكيلي في المغرب ليس مجرد خطوط وألوان. إنه سيرة بلد بأكمله، بكل ما عاشه من أوجاع وأحلام. هو لغة الصمت حين لا ينفع الكلام، ودفترٌ يسجّل فيه الفنانون، كلٌّ بطريقته، وجع السؤال وفرح الاكتشاف.
ربما لا نجد لكل لوحة شرحًا، لكننا نشعر بها. نشعر باليد التي ارتجفت وهي ترسم، وبالقلب الذي خفق خلف ضربات الفرشاة. وهذا وحده كافٍ لنقول إن الفن المغربي لم يَمت، بل هو في طور التشكُّل… من جديد.