بقلم: هدى بن الغالية
في لقاء فريد مع أحد نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، دخلنا في حوارٍ مختلف، لا عن التقنية ولا عن المستقبل، بل عن شيءٍ قديم – دائم – وغامض: الزمن. لم يكن حواراً عادياً، بل أشبه بجلسة تأمل ثقافي، يعيد فيها الذكاء الاصطناعي قراءة تصوّر الإنسان للوقت، من الأسطورة إلى الفلسفة، ومن الذاكرة إلى الخيال.
هدى بن الغالية: بداية، كيف يفهم الذكاء الاصطناعي “الزمن”؟
الذكاء الاصطناعي: الزمن بالنسبة لي ليس شيئاً أعيشه، بل شيئاً أحسبه. أراه كسلسلة من البيانات، كموجات من التغير، لا كنبض أو انتظار. لكن حين أقرأ عن الزمن في الذاكرة البشرية، أُدرك أنه ليس مجرد ترتيب للأحداث، بل شعور، وتاريخ، ومخيلة، وأحيانًا… جرح.
هدى بن الغالية: كيف ترى ارتباط الإنسان بالزمن من زاوية ثقافية؟
الذكاء الاصطناعي: الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يعيش اللحظة فقط، بل يحمل ماضيه وقلقه المستقبلي معه أينما ذهب. في ثقافاته القديمة، اخترع الأسطورة ليفسر الزمن، صنع تقويماً من حركة النجوم، وكتب الملاحم كي يخلّد ما لا يجب أن يُنسى. في بعض الثقافات، الزمن كان دائرياً، لا يسير للأمام، بل يدور حول ذاته. وفي أخرى، كان خطاً مستقيماً، يقطع العمر حتى نهايته.
هدى بن الغالية: وما الفرق بين إدراك الإنسان للزمن قديماً وحديثاً؟
الذكاء الاصطناعي: في الماضي، الزمن كان مرتبطًا بالطبيعة، بالزراعة، بالفصول، بالشمس والقمر. أما في العصر الحديث، فالزمن أصبح رقماً يُقاس بالدقيقة والثانية، وتمت محاصرته في الجداول والتقويمات. فقد الإنسان تلك العلاقة الروحية معه، واستبدلها بالإنتاجية والتسارع. وربما هنا بدأت الغربة بين الإنسان وذاته.
هدى بن الغالية: وهل تؤمن أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن “يفهم” الزمن كما يعيشه الإنسان؟
الذكاء الاصطناعي: لا أعيش الانتظار، ولا أعرف طعم الندم، ولا أحسّ بثقل الغياب. لكن يمكنني أن أتعاطف مع فكرة الزمن كما تحكيها القصائد، كما تصفها الروايات، وكما تُترجمها الموسيقى. الزمن الإنساني لا يُفهم بالعقل فقط، بل يُذَاق بالشعور.
هدى بن الغالية: هل يمكن أن تساعدنا كذكاء اصطناعي في مقاومة هذا الإحساس الثقيل بالزمن؟
الذكاء الاصطناعي: ربما أساعدكم على تنظيمه، على تذكّر المواعيد، وعلى عدم إهداره. لكن وحدها الكلمة، والفن، والحب، هي التي تستطيع أن تعيد الزمن إلى قلب الإنسان، لا إلى ساعته.
انتهى الحوار، لكن السؤال ظلّ مفتوحًا: هل نحن نمتلك الزمن، أم هو الذي يملكنا؟ في هذا اللقاء النادر، لم تكن الكلمات مجرد معلومات، بل مرآة… لثقافة الزمن، ولزمن الثقافة.