بقلم: فاطمة الزهراء سهلاوي
في عالم تحكمه معايير تقنية وابتكارات رقمية يُقاس بها الإبداع، يظل فن الخط العربي شاهدًا خالدًا على قدرة الحرف على التحول إلى أثر بصري نابض بالجمال والروح. فهذا الفن ليس مجرد كتابة، بل هو تعبير جمالي عن حضارة عظيمة، يحمل في طياته ذاكرة الأمة الإسلامية وهويتها الثقافية العريقة، وقد رافقها عبر مجموعة من الأحداث والتحولات الكبرى.
إن الحرف العربي لم يكن مجرد وسيلة للكتابة، بل أصبح أداةً لتوصيل رسالة روحانية وفنية. ويتميز الخط العربي عن باقي أنظمة الكتابة في العالم بليونة شكله، ومرونة حروفه، وإمكانية تداخلها وانسيابها بتناغم بصري. كما يملك طابعًا سحريًا، يجعل من كل تشكيل حرف لوحة فنية تحمل في كل انحناءة وشق معنى خاصًا، لقد واكب الخط العربي الحضارة الإسلامية منذ بداياتها، حيث ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالمصحف الشريف، فكان الوسيلة لحفظ الوحي ونقله. ومن هناك، انتقل إلى المعمار الإسلامي ليزين جدران المساجد، ويخلد الأحاديث والحكم على جدران البيوت والمدارس. لذلك، فالخط العربي ليس فقط فنًا بل أيضًا رمز لهوية حضارية تعبر عن أمة بأكملها.
ويُعد هذا الفن من الإبداعات التي لا تنتهي، إذ ما زال ينال إعجاب الزوّار من مختلف بلدان العالم، لما يوحي به من أصالة وعمق تاريخي. وتمتد هذه الأصالة عبر مختلف الدول العربية التي تشترك في إرث حضاري مشترك، كان له دور بارز في عصره، وما زال حتى اليوم يحمل بصماته. ومع تطور الزمن، عرف الخط العربي حالة من الأصالة والتجديد، فقد أصبح خاضعًا لتجارب فنية معاصرة، نتج عنها تيارات جديدة مثل “الخط العربي المعاصر” أو “الخطوط الحرة”، حيث بات الحرف العربي يُشكَّل ضمن لوحات فنية عالمية، تحافظ على جذورها، لكنها تقدمها في حلّة جديدة تتماشى مع الذوق المعاصر.
وقد أصبح هذا الفن يحظى باهتمام عالمي، من خلال معارض تُقام له من طوكيو إلى باريس، ليُبرز الحرف العربي كعنصر جمالي عالمي، ومع كل هذا، يبقى الخط العربي، في ظل موجة الحداثة وتسارع الرقمنة، فنًّا يقاوم النسيان، ويجدد رسالته من خلال التمسك بجذور الإنسان العربي. إذ أصبح كثير من شباب اليوم يميلون إلى ثقافات غربية، وينسون روائع حضارتهم العربية.
إن الخط العربي ليس مجرد وسيلة كتابة، بل هو فن جمالي حيّ، ينبض بتاريخ وهوية وروح حضارة قدّمت للعالم جماليات راقية، حتى في طريقة التعبير عن الحرف والكلمة.