بقلم: فاطمة الزهراء سهلاوي
بهدوء الفلاسفة وصرامة المنهج، يمضي محمد نور الدين أفاية في حقل التفكير الذي يلاحق فيه المعنى، معتنيًا بالجذور دون أن يستعجل الثمار. وهذا ما يتبيّن في مساره الأكاديمي كما في كتاباته، إذ لا يتوقف عند سطح المفاهيم، بل ينفذ إلى بنيتها وسياقها وخلفياتها الثقافية والسياسية.
محمد نور الدين أفاية من (مواليد 1956 بمدينة سلا)، هو مفكر مغربي ، يشتغل أستاذا للفلسفة المعاصرة والجماليات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ، وهو عضو سابق بالمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري ، وحاليا خبير باللجنة الثقافية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ونال مؤخرا شرف عضوية أكاديمية المملكة.
خصّص في الفلسفة، حيث تابع دراسته بجامعة محمد الخامس بالرباط، قبل أن يُصبح من أبرز أساتذتها وباحثيها الذين أعطوا الكثير لهذا الحقل. يشغل موقعًا وازنًا داخل الحقل الفلسفي المغربي، ليس فقط من خلال تدريسه وإشرافه الأكاديمي، بل أساسًا من خلال ما يقدّمه من مساهمات تحليلية لفهم تعقيدات الواقع السياسي المغربي والعربي.
محمد نور الدين أفاية ليس مفكرًا معزولًا عن مجتمعه، بل هو مثقف ملتزم بقضايا الحاضر، حريص على مساءلة المشاريع السياسية والتحولات الاجتماعية. وهذا ما نلمسه في كتاباته ومؤلفاته، حيث يحضر دائمًا سؤال السلطة بوصفه سؤالًا فلسفيًا بارزًا، لا يُختزل في السياسة فقط، بل يتمدد ليشمل الثقافة والهوية وإنتاج المعنى.
في عدد من الحوارات التي خاضها، عبّر عن آراء تنمّ عن انشغاله العميق بتحليل الخطاب، باعتباره منهجًا لفهم ما يُقال وما يُخفى في آنٍ واحد. وهو منهج دقيق، يُحلل به الوقائع والخطابات بمنظور فكري نقدي.
ومن أبرز إسهاماته الفكرية، تناوله لموضوع الحداثة السياسية، حيث يعتبر أن المجتمعات العربية تعاني من حداثة مبتورة، حداثة هجينة لم تستكمل شروطها الفلسفية والاجتماعية، أي أنها لم تكتمل بعد، وهو بذلك يساءل النهضة التي لم تكتمل.
في مداخلاته الفكرية، لا يرفع صوته، لكن أفكاره تترك صدىً يفتقر إليه الصوت. لا يستعرض ثقافته، بل ينقب في التاريخ والمجتمع والمفاهيم بهدوء ودقة، من أجل استنطاقها، عبر جدران قاعات يملؤها أشخاص مُلهمون بهذا الفكر.ورغم انخراطه العميق في تحليل الشأن العام، ظل محمد نور الدين أفاية يحتفظ بمسافة نقدية. وهو من ضمن أولئك المفكرين الذين اختاروا أن يقفوا على هامش السلطة، لكن في قلب المعنى.
في زمن كثر فيه الضجيج وقلّ فيه الفكر والوعي الأخلاقي، يُشكّل محمد آفاية استثناءً هادئًا، ومفكرًا لا يفاوض على نزاهة السؤال. وهذا ما يقدّمه من خلال مقابلاته ومداخلاته الفكرية، للنخبة التي تجد في فكره نوعًا من الانجذاب الخاص والتأمل الهادئ.