بقلم: آية الحمري
من قصبات الجنوب إلى زليج فاس، ومن رقصات أحواش إلى أهازيج عبيدات الرما، يشكل التراث المغربي فسيفساء نابضة بالحياة، تمتد عبر قرون من التعدد الثقافي والتنوع الجهوي. لكن في زمن السياحة والثقافة الاستهلاكية، بدأ سؤال مُقلق يفرض نفسه: هل نحمي تراثنا… أم نُعيد تشكيله ليتناسب مع ما يطلبه “الزبون الأجنبي”؟
في الآونة الأخيرة، تحولت العديد من مظاهر التراث المغربي إلى منتجات قابلة للاستهلاك السياحي:
– مواسم دينية تُعاد برمجتها في تواريخ تخدم زوارًا أجانب.
– فرق فلكلورية تُعرض بشكل استعراضي يختزل المعنى الروحي والرمزي.
– أحياء تاريخية تُرمم بشكل “سطحي” لتبدو “أنظف” و”أجمل” في الصور.
و الجدير بالذكر، أن الحكومة المغربية تبذل جهودا ملموسة من خلال مؤسسات مثل الوكالة المغربية لتنمية التراث الثقافي، وبرامج حماية المواقع المصنفة من طرف اليونسكو.
لكن هذه الجهود غالبًا ما تُواجه مشكلتين: أولها قلة الوعي المحلي بأهمية التراث، و ثانيها، تضارب المصالح بين حماية التراث وجلب الاستثمار. ففي مدينة الصويرة مثلًا، عارض السكان مشروع تحويل جزء من المدينة القديمة إلى نُزل سياحي، لأنه يُهدد النسيج السوسيولوجي للمنطقة، رغم تبرير الجهات المعنية بأن المشروع سيُوفر فرص شغل.
هل يعني هذا أن نحجّر التراث ونمنع تحديثه؟ بالطبع لا. فالتراث، كي يبقى حيًا، يحتاج أن يُعاد تأويله، لكن دون أن يُبتذل.
حين تُحوّل الجلابة إلى “موضة” تفقد خصوصيتها، أو يُصبح الرقص الشعبي مجرد فرجة بلا معنى، فإننا لا نُروّج لتراثنا بل نُفرّغه من محتواه.
الرهان اليوم هو على مشاريع تدمج الهوية والابتكار، مثل مبادرات الشباب الذين يوثقون الحكايات الشعبية، أو من يصممون أزياء عصرية بروح تقليدية.
التراث ليس مزارًا نحافظ عليه في المتاحف، بل روح تتنفس في الأزقة، والأهازيج، والروائح، والألوان.
وإذا أردنا فعلاً أن نورث أبناءنا “المغرب” لا فقط “صورًا جميلة عنه”، فعلينا أن نحمي تراثنا لا لنُجمّله، بل لنُبقيه حيًا.