حصة الأسد لكاظم الساهر
وعبد الوهاب الأرفع مستوى في تلحين قصائده
أمينة عباس- دمشق
لم تنل قصائد شاعر اهتمام الموسيقيين العرب مثلما نالته قصائد الشاعر نزار قباني الذي تحولت الكثير من قصائده إلى أغنيات على يد كبار الموسيقيين العرب، ومما ساعد على إقبال الموسيقيين على شعره تلك اللغة السهلة التي استخدمها، و لم يتعمد قباني كتابة القصائد من أجل التلحين بل من أجل أن يقرأها الناس : “أنا لا أكتبُ الشعر ليُغنّى، وإذا طُلِب مني ذلك أرفض.. القصائد أُخِذَت من دواويني ولُحّنَت ونجحت على سبيل المصادفة”.. ومع ذلك وعلى امتداد أكثر من نصف قرن تحولت أكثر من ثلاثين قصيدة له إلى أُغنيات .
أول قصيدة
خلافاً لما هو شائع من أن محمد عبد الوهاب كان أول من لَحَّن من شعر نزار قباني قصيدة “أيظنّ” عام 1960 أو اعتقاد بعضهم أن المُلّحن والمطرب السوري نجيب السراج هو أول من لحّن له من خلال قصيدة “بيت الحبيبة” عام 1957 وبيَّن الباحث الموسيقي أحمد بوبس من خلال بحثه الطويل أن المطرب والملحن المصري أحمد عبد القادر كان أول من لحن وغنى للقباني من خلال قصيدة “كيف كان” وذلك عام 1953 أثناء زيارته إلى دمشق، والقصيدة موجودة في ديوان نزار قباني “أنتِ لي” الصادر عام 1950 .
السوريون أقل من لَحَّن له
وفي الوقت الذي يجب أن يكون فيه الملحنون السوريون أكثر من لَحَّن للقباني إلا أن ذلك لم يحصل، إذ اقتصر الأمر على الملحنين الراحلين نجيب السراح وسعيد قطب، حيث لحّن السراج قصيدتين هما “بيت الحبيبة” و”العيون الفيروزية” التي لحّنها وغناها بصوته في سبعينيات القرن الماضي، كما لحّن سعيد قطب قصيدتين هما “لماذا تخليت عني” وغنتها الراحلة ربى الجمال، وقصيدة “أسألك الرحيلا” التي أدتها المطربة رزان .

فيروز وماجدة الرومي
وفي لبنان اقتصر غناء قصائد نزار قباني على مطربتين هما فيروز وماجدة الرومي، إذ غنت فيروز ثلاث قصائد له هي “وشاية” و”لا تسألوني ما اسمه حبيبي” و”القصيدة الدمشقية” والقصائد الثلاث برأي بوبس لم تخرُج في ألحانها عن السياق الموسيقي للرحابنة، أما المطربة ماجدة الرومي فغنت أربعاً من قصائده هي “كلمات” ألحان إحسان المنذر و”ست الدنيا يا بيروت” و”مع جريدة” ألحان الملحن المصري جمال سلامة، في حين لحن كاظم الساهر لها قصيدة “طوق الياسمين” والألحان الأربعة لُحّنت برأي بوبس بالأسلوب الإيقاعي السائد، وأداء ماجدة الرومي الجميل هو من رفع سويتها .
الألحان الأهم
كانت ألحان الموسيقيين المصريين لقصائد نزار قباني هي الأهم والأجمل برأي أحمد بوبس، وكان محمد عبد الوهاب أول الموسيقيين المصريين وأكثرهم وأرفعهم مستوى في تلحين قصائده، حيث لحّن خمساً منها، أربع لنجاة الصغيرة والخامسة لأم كلثوم، وأول ألحانه كانت قصيدة “أيظن” التي شكلت بداية مرحلة موسيقية جديدة لعبد الوهاب في تلحين القصائد، كما كانت بداية مرحلة غنائية جديدة لنجاة الصغيرة التي لحن لها بعد ذلك ثلاث قصائد أخرى لقباني هي “ماذا أقول له” و”اسألك الرحيلا” لتكون قمة هذه القصائد “ارجع إليَّ” وعنوانها الأصلي “إلى رجل” أما خامس ألحان عبد الوهاب من قصائد نزار قباني فكانت القصيدة الوطنية “أصبح عندي الآن بندقية” التي غنتها أم كلثوم، كما لَحَّن الموسيقي محمد الموجي لقباني قصيدتين هما “رسالة من تحت الماء” و”قارئة الفنجان” التي لحنها الموجي رغم صعوبتها وأداها عبد الحليم الحافظ، الذي صرح حينها إن الشاعر نزار قبانى أرسل له القصيدة قبل أن ينشرها فى ديوان، مبيناً له أن كلماتها تصلح عملاً فنياً :” فهى من الناحية الشعرية جديدة، وإذا تم تنفيذها كأغنية ستكون فكرتها جديدة، ولكنى لا أرى أحدا لديه الجرأة أن يأخذ هذه القصيدة ويغنيها، ولكنى رأيت أن كلماتها بالفعل متميزة وبالفعل تصلح لأن تكون عملا فنياً، كما أوضح عبد الحليم حافظ، خلال لقاء تليفزيونى نادر يجمعه مع الشاعر نزار قبانى، أن “قبانى” أضاف إلى القصيدة بعض الأشياء حتى تخرج كأغنية، ولكن هذه التعديلات أو الإضافات لم يتم وضعها فى الديوان، وحققت القصيدة نجاحاً كبيراً وكانت آخر ما غنى عبد الحليم حافظ ، أما محمد سلطان فقد لحّن قصيدة واحدة لقباني هي “رسالة من امرأة” التي غنتها فايزة أحمد وقد استطاعت الموسيقا وأداء فايزة أحمد برأي بوبس أن يعبّرا عن الجانب الدرامي فيها، في حين كان حلمي بكر آخر من أدلى بدلوه في تلحين شعر قباني حين اختار قصيدة “اغضب” التي لُحنت بنمط واحد من البداية وحتى النهاية .
قصائد وطنية
شكلت نكسة حزيران عام 1967 بداية مرحلة جديدة في مسيرة نزار قباني الشعرية، فكتب القصائد الثائرة الغاضبة وكانت أولها قصيدة “هوامش على دفتر النكسة” التي عبَّر فيها عن نقلة نوعية في شعره حيث قال قباني : “يا وَطَني الحزين حَوَّلْتَني بلحظة من شاعر يكتب شعر الحب والحنين لشاعر يكتب بالسكين” وبعد هذه القصيدة توالت قصائده الوطنية الثائرة ولحّن منها محمد عبد الوهاب “أصبح عندي الآن بندقية” وكان قباني قد كتب لفلسطين قصيدة أخرى هي “القدس” التي لُحّنَت دون أن يسمعها أحد، فبعد أن نشرها أُعجِبَ بها عبد الحليم حافظ وطلب من الملحن محمد الموجي تلحينها، وبعد تسجيلها وفي الوقت نفسه أُعجِبَت بها المطربة شادية فقدمتها إلى رياض السنباطي الذي قام بتلحينها وتسجيلها ولم ترَ الأغنيتان النور لأن حقوق المؤلفين لا تسمح بتلحين النص نفسه مرتين، فبقي اللحنان في الأدراج.. أما رياض السنباطي فقد لحن قصيدة وحيدة من شعر قباني هي “رسالة إلى الزعيم” التي كتبها بعد رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1970 وغنّتها أم كلثوم .
الحصة الأكبر
لحن الملحن والمطرب خالد الشيخ لقباني قصيدة واحدة هي “نهر الأحزان” أما الملحن والمطرب العراقي كاظم الساهر فكان أكثر من لحّن وغنّى من شعره، إذ لَحَّن وغنّى عدة قصائد، منها “اختاري” و”علّمني حبك” و”زيديني عشقاً” و”إلا أنتِ” و”إلى تلميذة” و”كل عام وأنت حبيبتي” كما لحّن للمطربة لطيفة التونسية قصيدة “دمشق” التي اختار فيها كاظم أبياتاً من قصيدة قباني “أنا يا صديقة متعب بعروبتي” وكان قد ألقاها في مقر الجامعة العربية في تونس مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وقد أضاف إلى آخرها بيتين من قصيدته “ترصيع بالذهب على سيف دمشقي” هما “مزقي يا دمشق خارطة الذل وقولي للدهر كن فيكون” كما لحّن قصيدة طوق الياسمين لماجدة الرومي .