بقلم : فاطمة الزهراء سهلاوي
في قلب القرى والدواوير، وعلى هامش المدن الصغيرة، تنتصب الأسواق الأسبوعية كأعمدة من الزمن الجميل، شاهدة على تراث لا تزال تفاصيله تنبض بالحياة رغم تغير الزمن. إن الأسواق الأسبوعية ليست مجرد فضاءات للبيع والشراء، بل هي مواعيد مجتمعية تضرب بجذورها في عمق الذاكرة الشعبية، تعبّر عن المعتقدات والعادات والثقافة الشعبية، وتمتاز بتشابك العلاقات الاجتماعية فيها.
إن السوق الأسبوعي يمثل نموذجًا غنيًا لحياة اجتماعية واقتصادية متكاملة، يتبع نظامًا دقيقًا يتكرّر أسبوعيًا، حيث لكل يوم سوقه، ولكل منطقة طابعها الخاص، لكن القاسم المشترك بينها هو تلك الطقوس التي تمنحها هوية محبوبة من طرف الرجال والنساء، صغارًا وكبارًا. التجار والزبناء يتهيؤون له كأنه عيد صغير، يحملون معهم ما أنتجته الأرض، أو ما صنعته الأيدي، ويقطعون المسافات من الدواوير والضواحي، طمعًا في تبادل المنفعة أو قضاء حاجة أو مجرد لقاء الوجوه المألوفة.
في السوق، تختلط روائح التوابل والمأكولات التقليدية بأصوات الباعة وهم ينادون على بضائعهم بأهازيج شعبية لا تسمعها في مكان آخر. تعلو المساومات بين الزبناء والتجار في مشهد حيّ، تنبعث منه دهشة وحنين. وتتنوّع المعروضات من الخضروات والفواكه والبهارات إلى الفخار، والزّرابي، والأدوات الفلاحية المصنوعة يدويًا. لكن المشهد لا يكتمل دون لمسة الحياة اليومية البسيطة: الحلاق يجلس تحت ظل شجرة، يزاول مهنته بأدوات تقليدية، وبجواره “فقيه” يكتب التعاويذ، وأطفال يتحلقون حول بائع الحلوى وصاحب الأرجوحة في لحظات فرح بريئة.
رغم التحولات العمرانية وظهور المراكز التجارية الحديثة، ما تزال الأسواق الأسبوعية صامدة في وجه الزمن، بل وتزداد جاذبية في أعين من يبحث عن الأصالة. ففيها لا يقتصر الأمر على البيع والشراء، بل نجد ما هو أعمق: تواصل إنساني، وهوية ثقافية، وحسّ جماعي يتجاوز المادة إلى الانتماء.
فالحفاظ على هذه الأسواق لا يعني فقط حماية فضاءات اقتصادية تقليدية، بل هو أيضًا إحياء لتراث شعبي، وحفظ لتقاليد غنية تستحق أن تُوثّق ويُحتفى بها من طرف من عاشها، ومن سيأتي من بعده. ففي بساطتها، تنبع عظمتها، وفي شعبيّتها، يتحقق حب الناس لها جيلاً بعد جيل.