بقلم: سهام ماهر
يشهد المجال الإفريقي تحركات وتنقلات بشرية مختلفة ومتنوعة كمّا من وكيفا، وتبقى الاسباب متفاوتة لهذه التنقلات عبر التاريخ، مما يجعل المجال ذو صبغة تفاعلية من خلال ما تحمله هذه التحركات للمجموعات البشرية، من ثقافات وأنماط حياتية ومهارات مختلفة، التي يمكن رصد تطورها التاريخي في اطار السياق الهجروي كنموذج.
لفهم التأثيرات الحديثة للعلاقات المغربية الافريقية لابد من وضعها في اطارها الثقافي والسياق التاريخي الذي تمخضت عنه.
شكلت العلاقات التجارية روابط اتسمت بالاستمرارية الى حد كبير من خلال القوافل التي كانت تقطع عباب الصحراء في تحدي للمجال الصحراوي القاسي، الأمر الذي كان يتم عبر مدة زمنية طويلة، منذ انطلاق القافلة و وصولها إلى مرحلة العودة المُفسّر أن الرحلة كانت لها محطات وقوف متكررة الشيء الذي اسهم في ربط علاقات على طول الخط الصحراوي.
لم تكن القوافل تحمل أنواع البضائع والسلع بل كانت تحمل مجتمعا مصّغر بكل مكوناته الى حد كبير، فقد عرفت هذه الهجرة المؤقتة إذا استطعنا القول، توافد العلماء والفقهاء ناهيك عن التجار طبعا الأمر الذي حمل الى شعوب افريقيا جنوب الصحراء العلوم والتشريعات، الفنون، والثقافة وغير ذلك كثير.
من أنواع هذه العلاقات والتي يمكن رصد استمراريتها، ابرز مثال وليس الأوحد نجد التصوف والعلاقات الروحية التي ربطت المغرب بإفريقيا جنوب، فقد تشبعت هذه الاخيرة بالمذهب المالكي الذي وصلها عن طريق الفقهاء المغاربة، وطريقتهم في التدين والتي يشكل التصوف جزءا مهما في تكويناتها الامر الذي تعزز عبر توافد الطلبة الافارقة على جامعة القرويين خلال “العصر الوسيط “، لتلقي علوم الدين والتتلمذ على يد ابرز علماء العصر، الأمر الذي حملوه في قلوبهم وجعل أواصر الصداقة والمحبة لا تنقطع بين القطبين، الذي يتوضح جليا حين عودتهما إلى أوطانهم فهم يمثلون سفراء للطرقية المغربية، التيجانية و القادرية والتي تحملهم ليومنا هذا الى الحج لمدينة فأس كل سنة، مما يدل على أن هناك علاقة استراتيجية بالغة مستمرة في الزمان.
من خلال ما سبق تحديد من سياق تاريخي للعلاقات المغربية الافريقية، وابراز التصوف كنوع علائقي مستمر، يمكن من خلال هذا فهم التوافد الراهن للأفارقة جنوب على المغرب كبلد للهجرة و الاستقرار، فالدين والروابط الاجتماعية عامل مشجع على ذلك الامر الذي عززته السياسية في التاريخ الراهن من اتفاقيات تسهم في تحسين اوضاعهم القانونية وتوفير الخدمات الاساسية للمهاجرين من دول الساحل الافريقي، وتكفل عملية ادماجهم في المجتمع المدني المغربي، حصولهم على فرص شغل وتحسين وضعهم المعيشي في بلد الاستقبال يؤثر بشكل مباشر على بلدانهم الاصل عبر التحويلات المالية و الاستثمارات الصغرى و المتوسطة التي تسهم في التنمية والخروج من وضعية الهشاشة والفقر.
بالموازاة مع حضور الافارقة جنوب الصحراء في المجال المغربي لا نغفل كذلك الهجرة المعاكسة، فالجالية المغربية في إفريقيا مهمة، خاصة السنغال و الكوت ديفوار، التي تعرف حضور استثمارات متوسطة وكبرى لعدد مهم من المغاربة، استقروا في هذه البلدان واسسوا تجارة معتمدة هذه المرة على الاستقرار عكس ما كان سابقا.
الاستثمارات المغربية في المجال الافريقي تتمثل في شركات الاتصالات والأبناك وبعض الوحدات الفندقية الكبرى والمتوسطة ذات الرأسمال المغربي، الاستثمار الذي حفز على هجرة الادمغة من المغاربة مكونين لفئة مهمة من المهاجرين في افريقيا عكس ما هو شائع ان اتجاه الهجرة فقط نحو المتروبول الغربي.
المصالح المتبادلة بين الحكومات تصب بشكل مباشر في تكوين تحالفاته وتكتلات تخدم المجال، الأرضية التي مهدت لها الملكية المغربية في تبني سياسة داعمة للدول الافريقية عبر التاريخ .
من خلال المعطيات الغزيرة التي حملتها المصادر التاريخية واتممتها الدراسات يمكن القول ان العلاقات المغربية الافريقية طالما اكتسبت اهمية على عدة مستويات، بداية مع المرابطين وصولا للاتحاد الافريقي، الأمر الذي لا يدعو مجالا للشك أن العلاقة عرفت استمرارية تاريخية في مراحل الضعف والاحتلال. وطالما كان الامتداد لهذه العلاقة التي تعتبر عاملا هاما على الصعيد الدولي في تطوير والحفاظ على حقوق المؤسسات والأفراد.