يواصل الدكتور عبد الكريم برشيد نبشه في تاريخ وحاضر ومستقبل الاجتفالية ، وفي ورقته التي تحمل رقم 70، نعتز أن ننشرها في ثلاث حلقات بدء من اليوم.
الاحتفالية صوت الساعة و ضمير الحياة
فاتحة الكلام
الأستاذ عبد المجيد فنيش، احد الذين عاشوا الاحتفالية من داخل الاحتفالية، واحد الذين ولدوا في الأزمان الاحتفالية الذهبية، واحد الذين تربوا في المدن الاحتفالية العريقة، واحد الذين يعرفون ان الفرح هو نقطة البدء وهو نقطة الختام في كتاب الاحتفالية، واحد الذين يعرفون بانه لا احد يحتفل بدون ثمن، وانه لا وجود لاحتفال بالمجان، هذا الاحتفالي الذي ابدع وأمتع، وكان في حياته مقنعا، كما كان في فنه مقنعا، هذا الفنان الإنسان هو الذي قال وقوله الحق وقوله الصدق ما يلي:
(ان تكون احتفاليا؛ معناه ان يجتمع فيك ما تفرق في غيرك؛ من :اصالة يحسبها الجاهل تزمتا وانغلاقا؛ ثقافة تعايش يراها الغبي استلابا؛ فنون متنوعة يظنها البليد شتاتا؛ و صبر ايوب مع حكمة لقمان .
أدام الله تعالى نعمة الاحتفالية تاجا على هامة كبيرنا عبد الكريم الذي علمنا – منذ الحبو إلى الركض- إن الاحتفال سر الوجود)
نعم، هو الاحتفال الصادق سر الوجود ايها الاحتفالي الحكيم، الاحتفال الحي هو سر الحياة، و الاحتفال الراقي و السامي، و الاحتفال الغني بالحالات والمقامات والاختيارات هو عنوان المدنية وعنوان التمدن الحضاري، ويظل هذا الاحتفال، في معناه الحقيقي وعلى امتداد كل التاريخ البشري لغة الإنسان و لغة الانسانية ولغة عصورها الذهبية
ايها الاحتفالي السعيد، اخي وصديقي و رفيقي الأستاذ عبد المجيد لقد اختصرت و اختزلت الاحتفالي والاحتفالية في كلمات قليلة، وفي هذه الكلمات القليلة كثير من المعاني الجميلة والنبيلة، فهذه الاحتفالية هي فعلا اسم من الأسماء، وهي الاسم الذي وصل درجة المصطلح، وهي المصطلح الذي ادرك رتبة العلم والفكر والفن و الصناعات الجمالية المختلفة، وإلى جانب كل هذا فهي فعل في المطلق من الزمان وفي المطلق من المكان، مما يعنى انها فعل ماض وأنها فعل مضارع أيضا، وهذا الفعل الاحتفالي هو الامتلاء دائما وهو الغنى، ومع هذا الغنى، الروحي والفكري والوجداني، يحضر السخاء والعطاء، وتحضر المعرفة والحكمة، ويحضر الجميل والأصيل، ويحضر الانفتاح على العالم، وتحضر المساهمة في تاثيث و اغناء ثقافات هذا العالم، وفي فعل الاحتفال العيدي ينطق الصامت دائما، ويحضر نور الحق ونور الحقيقة ونور الفضيلة، وقبل كل شيء، يحضر نور الله
وماذا عساني أقول في حق هذا الاحتفالي الاستثنائي، والذي ولد في بيت احتفالي، والذي قرأ لوح الاحتفالية في مدينة احتفالية اسمها مدينة سلا؟
يكفيني ان اقول هو فنان احتفالي وكفى، وكل الباقي تفاصيل، وهو في حياته اليومية وفي حياته الإبداعية يعيش احتفالية مركبة بلا حدود وبلا ضفاف، فهو احتفالي الرؤية، وهو احتفالي الروح، وهو احتفالي الوجدان، وهو احتفالي الخيال، وهو احتفالي العقل، وهو احتفالي الأحلام
وهذا الاحتفالي الصادق، الباحث عن يوم يوم احتفالي جديد، وعن زمان احتفالي حقيقي، وعن مناخ احتفالي صحي، وعن فضاء مدني احتفالي، وعن علاقات إنسانية احتفالية، ماذا يمثل له ذلك اليوم الحاضر الغائب، والذي نسميه غدا؟
بالتاكيد هو يوم اخر، وأن اجمل ما في هذا اليوم وأصدق ما فيه هو انه صفحة بيضاء، وماذا يمكن ان يغري الاحتفالي سوى الصفحات البيضاء، والتي تتحداه بان يكتب المختلف، وان يكتب الجديد، وأن يكتب المفيد، وهو فعلا يعيش الآن هنا، ولكنه منجذب نحو الممكن، وعاڜق لغد له وجود في الغيب الحضر و الآتي، والذي ينبغي ان يكون في عقل الاحتفالي و وجدانه اكثر احتفالية واكثر عيدية وأكثر شفافية واكثر جمالا وجمالية، واكثر صدقا و مصداقية
وهذا الاحتفالي، لو لم يكن مؤمنا بهذا الغد، ما كان ممكنا له ان يدركه هذا اليوم، وان تكون له في الأيام ايام، وان يكون له في التاريخ تاريخ، وان يكون له في سجل الإبداع إبداع
وذلك الإيمان بأن الغد ات، و بانه يعطينا فرصة اخرى، وأنه يمنحنا امكانيات اخرى جديدة، هو الذي جعلنا نراهن على هذا الغد، ولقد كان انا مع هذا السفر الفكري كثير من الصبر الجميل، وكان لنا مع هذا الصبر شيء من حكمة لقمان وكثير من صبر أيوب، و شيء من رؤية زرقاء اليمامة وشيء كثير
نحن الذين قلنا بأن الاحتفالبات الأخرى تاتي من المستقبل، اي من ذلك الزمان الأخر، وان ياتي مع المفكر الآخر ومع ذلك الفنان الآخر
ولقد آمنا بان كل شئ نسبي، في الحياة كما في الفن والفكر والعلم, وقلنا مع الذين قالوا بان حصيرة في بيت صغير احسن من سرير كبير في مستشفى كبير، وقلنا بان وجود ضيق في الرزق خير الف مرة من ضيق في التنفس، وان الحياة والحيوية اولا، وان كل شيء سواهما ثانوي و هامشي وبلا قيمة
و الاحتفاليون الحكماء عبر التاريخ، القديم والحديث معا، كانت لهم في سفرياتهم الوجودية كثير من ملامح السندباد، وكانوا سندباديين، وكانوا حلاجيين، نسبة إلى الحلاج، وكانوا مخاطرين في الحق ومن اجل الحق، دفاعا عن الحقيقة وعن الحقيقة وعن الجمال والكمال وعن القيم الإنسانية والمدينة
في هذه الاحتفالية تعلمنا ان ننصت لموسيقى الكون، وفهمنا وتفهمنا حزن الناي، وادركنا سر هذا الحزن النشاز، والذي أفسد في الوجود سيمفونية الوجود، و انصتنا للعود وهو ينطق بلسان عربي مبين، وانصتنا لشكوى الربا، و لثرثرة الدف، وقد سجلنا كل هذه المعاني في مسرحية ( قراقوش الكبير) والتي سبق وقدمها مخرج احتفالي اسمه ابراهيم وردة، وذلك مع ممثلين احتفاليين من مدينة الدار البيضاء
وهذه الاحتفالية التي تمكننا واسكنها هي التي قال فيها الكاتب والباحث المسرحي د نور الدين الخديري (تظل الاحتفالية مشروعا كبيرا قادرا على استيعاب كل ذي صلة بمعاني وقيم الإنسان و الإنسانية. إنها الحياة في أبسط تجلياتها)
نعم هي الحياة، في ابسط واجمل وأصدق واكمل وانبل تجلياتها المتعددة و المتنوعة