الجزء الثاني من الورقة رقم 70 د. عبد الكريم برشيد شيخ الاحتفاليين..
ونقطة الانطلاق التي انطلق منها هذا الاحتفالي وصحبه هو التعييد الاحتفالي، والاصل في هذا الاحتفال هو الحضور، أو هو شرف الحضور، وهذا الحضور لا يكتسب قيمته الحقيقية إلا بالفعل و الانفعال و التفاعل في هذا الحضور، وأكبر عنوان تعطيه الاحتفالية لهذا التفاعل هو التحدي، وليس التحدي فقط، ولكن التحدي مع التجاوز، أي مع القفز على موضوع التحدي إلى ما بعده وإلى ما خلفه وإلى هو ما أكبر منه و أعلى منه و أشرف منه، و يتلخص هذا الحدي في أن هذه الاحتفالية( الكائن دائما، وأن تكون في مستوى هذا التحدي، وأن تكون في قوته وفي مثل قامته، وأن تعرف أن الإبداع الحق هو التحدي و التجاوز، أي تحدي الكائن في الطبيعة أولا، وفي المجتمع ثانيا، وفي لفكر وفي الفن وفي الصناعة بعد ذلك، وفي هذا
التحدي يتحقق التجاوز، ويصبح بإمكان المكتشف و المخترع و المتنبئ والمبدع أن يوجدوا الطبيعة الأخرى، وأن يؤسسوا الواقع الآخر، وأن يكتبوا التاريخ الآخر، وأن يبدعوا الفن الآخر، وأن يوجدوا الحياة الأخرى، وأن يجددوا جسد هذا العالم، وأن يجددوا عقله و روحه أيضا) هكذا تحدث الاحتفالي في كتاب (البيانات الجديدة الاحتفالية المتجددة) والذي صدر عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة
وفي مجال المسرح فإن ( الاحتفالية ليست شكلا جديدا، بل هي المسرح ذاته منذ أن وجد) هكذا تحدث الاحتفالي في البيان التاسيسي الذي حمل عنوان ( البيان الاول لجماعة المسرح الاحتفالي) والذي صدر بمدينة مراكش سنة 1979
واكثر من كل هذا، فإن الحياة كلها احتفالية، بحالاتها و بأعمارها و بحيوتها وبجمالياتها، وهذه الطبيعة أيضا احتفالية، بكا ألوانها و أضوائها وظلالها وأشكالها ورمذاقاتها ومظاهرها و فصولها وبسحرها، وهذا التاريخ، بمكره و بسحره و بعجائبيته و بغموضه هو احتفالي أيضا، وهذا الكون كذلك، بكل كواكبه السيارة وبكل أفلاكه وبكل مجراته وبكل امداداته اللانهائية، أليس كونا احتفاليا أيضا؟
وبخصوص المعنى الحقيقي للاحتفالية نقرأ ( الاحتفالية ليست مجرد شكل مسرحي قائم على أسس وتقنيات فنية مغايرة، بل هي بالأساس فلسفة تحمل تصورا جديدا للوجود والإنسان والتاريخ والفن والأدب والسياسة) ورد هذا الكلام في (البيان الرابع لجماعة المسرح الاحتفالي) والذي صدر من مدينة سلا 1982
وعليه، يمكن البحث عن هذه الاحتفالية في في تاريخ هذا الإنسان وفي واقعه والبحث عنها في كل الفنون والعلوم و الصناعات وفي الفكر وفي السياسات وفي العلاقات وفي المؤسسات وفي البنيات الفكرية وفي التصورات والاختيارات والتوجهات المختلفة
وبدل أن يناقش النقد المسرحي هذا العلم ـ الفكر ـ الأدب ـ الصناعة، من خلال تصوراته واختياراته و فرضياته وأسئلته ومسائله، ومن خلال بياناته وأدبياته وإبداعاته الأدبية والجمالية، فقد اهتم فقط بالشكليات وبالجزئيات الصغيرة وبالتقنيات وبالآليات المسرحية، متناسيا أن التقنيات هي مجرد ظلال فقط، وأن أضواء الأفكار و المعاني الاحتفالية هي الأساس وهي المحور الذي يدور عليه كل تاريخ المسرح، من الكلاسيكيين في العصر اليوناني القديم الى الاحتفاليين في العصر الحديث
والمسرح أساسا مجتمع، هكذا تقول الاحتفالية، وهو مجتمع داخل مجتمع داخل مجتمع إلى ما لا نهاية، وهو يتكرر و يتعدد وويتمدد ويتجدد، تماما كما تتعدد صور الأجساد والأشياء الموجودة بين مرآتين متقابلتين، وترى الاحتفالية أن الصورة الأبعد هي الأجمل والأصدق، وأن المجتمع الجواني أبلغ وأصدق من المجتمع البراني، و أمام وجود مجتمعين مختلفين تقول الاحتفالية ( المجتمع الأول معطى، جاءنا أو جئناه من غير أن نختاره ـ كما هو الآن في مبناه و معناه ـ الصدفة وحدها ربطت بيننا وبينه، أما المجتمع الثاني فهو المسرح ؛ فضاء آخر و أخلاقيات أخرى، و إحساسات جديدة، مجتمع أوجدته الضرورة لتأمل (المجتمع) الأول وتدميره و تفسيره و تغييره) ( البيان الرابع لجماع