مواضيع ذات صلة

الكائن الاحتفالي في الكون الاحتفالي

الجزء الثالث من ورقة رقم 70 لشيخ الاحتفاليين د.عبد الكريم برشيد
الاحتفالية إذن هي كون كامل و متكامل، وهي عوالم بعضها داخل بعض، وهي فعل الخلق المؤسس للمخلوقات، وهي الواجب لكل موجودات، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي (وإذا كانت كلمة ( كن) هي مؤسسة الكون، فإن كلمة الاحتفال هي مؤسسة الحس الجماعي و الوجدان الشعبي والرأي العام) (كتابات على هامش البيانات)
ويقول شخص الحكيم في كتاب ( الرحلة البرشيدية) (أنا بالعيش تمددت في الزمان يا ولدي.. و بالرحيل تمددت في المكان ) والأصل في هذا الكون الاحتفالي أنه فضاء مكاني وحيز زماني، وأنه، داخلهما و فيهما و بهما، يحقق الإنسان وجوده، ويحيا حياته، و يؤسس ذاكرته الفردية و الجماعية، ويبدع تاريخه المفتوح على ما كان بالأمس، والمفتوح أيضا على كل ما يمكن أن يكون غدا وبعد غد وبعد به غد .


ويقول الاحتفالي ( من يتمدد في المكان، لا يخلو منه مكان) نفس المرجع السابق
ولهذا فقد اكتشف الإنسان السفر، وأوجد الرحيل، حتى لا يخلو منه مكان، وحتى يكون في كل مكان، وحتى يكوم الحضور في وجوده حاضرا دائما، وحتى يكون الغياب غائبا ومغيبا على الدوام
وهذا الكون الاحتفالي، بامتداداته اللامحدودة و اللامتناهية، وبكل غرائبه وعجائبه المثيرة ووالمدهشة كيف تكون؟ ومتى تكون؟ و بأي علم تكون؟ و بأي فكر؟ و بأي سحر؟ و بأية طاقة؟ و بأية مادة،؟ وووفق أية صورة؟ ومن كونه؟ ولمن أوجده؟ ولأية مقاصد أوجده؟ ومن الذي أوجد الآخر؟ هل الاحتفاليون هم الذين أوجدوا الاحتفالية، أم إن هذه الاحتفالية هي التي أوجدت الاحتفاليين؟
وهذا الكون الاحتفالي القديم، قدم الوجود، وقدم التاريخ، والحديث أيضا، حداثة هؤلاء الاحتفاليين الجدد، والمصرين على التجدد، هذا الكون الغني بالألوان و الأشكال و الأحجام والحالات والمقامات والعلاقات و البنيات والصور و المشاهدات، كيف تمثله الاحتفاليون في فكرهم وفي مسرحهم وفي كل إبداعاتهم الجمالية المتعددة و المتنوعة؟
في هذا الكون الاحتفالي، المركب تركيبا دقيقا وةمعقدا، هناك أشياء مادية محسوسة يمكن أن نلمسها، ويمكن أن أن نعرفها، ويمكن أن ندركها، ويمكن أن نستدل على وجودها بالعقل و بالمنطق، وإلى جانبها، هناك أشياء أخرى كثيرة لا يمكن أن تدرك إلا بالحدس الصوفي وبالتذوق الجمالي، ولهذا فقد جاء الفن ليكمل دور الفكر ودور العلم، و ليبحر في أعمق أعماق الذات الإنسانية، وليتمثل هذا الكون في كليته و شموليته وفي كل أبعاده الكائنة والممكنة
وبالنسبة للفنان الاحتفالي فإن (الفن ملح الدنيا وملح الوجود..) (وهو رؤية ورؤيا، وهو صعود إلى الأعلى والأسمى..) ومن أهدافه الوصول (إلى درجة الإنسانية الحقيقية، وإلى درجة المدنية الحقيقية، واعلم يا صحبي، أن لا شيء يمكن أن يبلغ قصده و مراده إلا بالفن) من كتاب ( الرحلة البرشيدية) والذي هو رحلة افتراضية في عالم افتراضي
ويؤكد هذا الاحتفالي على أن ( إنسانية الإنسان لا تكتمل إلا بالفن الجميل يا صاحبي) وأن مدنية المدينة أيضا ( لا تكتمل إلا بالفن) وأن حيوية الحياة لا يمكن أن تتحقق، وبشكل حقيقي، إلا بالفن وفي الفن..
وبالنسبة الاحتفالي فإن ( الأصل في الفن أنه إحساس جميل، وقد يصل هذا الإحساس إلى درجة أن يصبح هذا الفن علما وفقها وفلسفة، فيكون علم الوجدان، ويكون فقه النفوس، ويكون فلسفة الروح) نفس المرجع السابق
وكل هذا الكون، بكل جغرافيته و تاريخه و سحره و علمه، يختزله الاحتفالي في المسرح (وفي هذا المسرح ندخل إلى النور، ونخرج من الظلمة، ونغير الأزياء والأسماء والأدوار، ولكن المسرح واحد أوحد، وهو لا يتغير أبدا.. ( إنه لا أحد يذهب ذهابا نهائيا، وكل شيء يدور ويدور، ويختفي ويظهر، والموت كلمة بلا معنى، ولك أن تسمي هذا الغياب بما تشاء من الأسماء ) نفس المرجع
وهذا المسرح هو الحضور الخالي من الغياب، وهو التلاقي الخالي من الفرقة، وهو النور الذي يعري الظلمات، وهو الستارات التي ترتفع، وهو المرايا التي تظهر الشيء و مضاعفه، وفي هذا لكون الاحتفالي لا تحيا الأجساد والأرواح ( وجودا واحدا، ولكنها تعيش وجودين مختلفين ومتداخلين؛ الوجود الفكري / الجمالي، والوجود الاجتماعي/ التاريخي، وفي هذا الوجود المركب يحضر الكائن و الممكن، ويحضر الحاضر والغائب و النسبي والمطلق و الكلي والجزئي و اليومي و التاريخي و المحسوس و المتخيل والواقعي و الحلمي، ولذلك يكون الأساس في هذه الفلسفة ( الاحتفالية) أساسا سورياليا.. ويكون المنطق فيها هو اللامنطق، وتكون الحقيقة فيها هو ما لا يمكن أن يعتقله العقل) من كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) منشورات توبقال الدار البيضاء
ويستمر فعل التاسيس، ويستمر فعل إعادة التاسيس، و معهما يتجدد الاحتفالي، و تتجدد الاحتفالية، وتكون اليوم وغدا بغير ما كانت عليه بالأمس.. القريب والبعيد معا