مواضيع ذات صلة

القصبة المغربية: قلاع الطين التي تصمد أمام الزمن

بقلم: آية الحمري
في قلب الجنوب المغربي، بين تضاريس الأطلس وجفاف الصحراء، تنتصب القصبات كحارساتٍ صامتات لذاكرة المغرب المعمارية. ليست القصبات مجرد بنايات من الطين، بل هي تعبير عن عبقرية الإنسان المغربي في التكيف مع الطبيعة، وتحقيق الجمال في بساطة المواد، وحفظ الهوية في وجه التغيرات.


قصبة آيت بن حدو، المصنّفة ضمن التراث العالمي من طرف اليونسكو، ليست سوى مثال على مئات القصبات المنتشرة من ورزازات إلى تنغير. تُبنى هذه القلاع الطينية بأسلوب يُراعي المناخ القاسي ويُجسّد مفاهيم الدفاع الجماعي، حيث كانت العائلات تسكن داخل أسوار واحدة، في ترابط اجتماعي فريد.
تمتاز القصبات بزخارفها الطينية الدقيقة، ونوافذها الصغيرة، وأبراجها العالية التي تتيح مراقبة المحيط. وقد كانت مركزًا للحكم أو مقرًّا للقياد، ما يجعلها أيضًا شاهدة على فصول من التاريخ السياسي والاجتماعي للمغرب.
لكن، ورغم مكانتها التراثية، تعاني القصبات اليوم من الإهمال والتآكل. فقلّة الصيانة وغياب الوعي بقيمتها التراثية جعلا الكثير منها عرضةً للاندثار. وقد بدأت بعض المبادرات في ترميمها، وتحويل بعضها إلى دور ضيافة أو متاحف صغيرة، لكن الطريق لا يزال طويلًا نحو الحفاظ الشامل عليها.
إن القصبة ليست مجرد بناء من طين، بل هي ذاكرةٌ محفورة في الجدران، تروي قصص القبائل والتحالفات والمعمار المغربي الأصيل. إنقاذها ليس فقط حمايةً للماضي، بل استثمار في الهوية، والثقافة، والسياحة المستدامة.