مواضيع ذات صلة

مجلس إدارة المركز السينمائي المغربي، بين الحصيلة وفراغ “منصب المدير” المُفتعل.

واقع النركز السينمائي المغربي يعرف جدلا قانونيا، فيما يخص تدبير الشأن السينمائي، وإدارة المركز السينمائي، وتسريب لائحة المرشحين لإدارته، وبين مهمو مدير النيابة أم مدير بكل مسؤلياته سيمى والمدة طالبت، ومرر قانون المركز السينمائي من عدة دوليب..هو جدل سنتابعه، من خلال ما يكتب ويفتح للعموم عبر الفضاء الأزرق.. في هذه المادة الجديدة نقدم مقالا رصديا، لخبير إعلامي وفني وسينمائي، ذ. هشام الودغيري..

جربت إدارة المركز السينمائي المغربي منذ عهد الاستقلال كل أشكال بروفيلات التدبير، من قبعات الإخراج والإنتاج إلى التنظير، التي فشلت كلها بنسب متفاوتة في الرقي بالميدان وطنيا، كما إنتاجيا وكيفا إبداعيا.
ورغم القبول جدلا بحسن نوايا من تعاقبوا على منصب مدير المركز السينمائي المغربي، لكن العبرة هي بالنتائج وبالتشريع المؤسساتي الحاصل، التي لم تفلح سابقا في إقامة قاعدة “صناعية سينمائية” وطنية مُنتظرة من الدولة أولا، ومن المواطن المُتلقي (دافع الضرائب) كأولوية هوياتية ثانيا.
يومه الإثنين 16 يونيو اجتمع المجلس الإداري للمركز السينمائي المغربي للمصادقة على تقرير اجتماع آخر سنة 2024، ولتقديم تقرير انشطة نفس السنة، مع تقديم تقرير مكتب المحاسِبة المُعتمد وخلافه.
ما يثير الانتباه في تقارير سنة 2024 هو تطوُّر ملموس للقطاع من حيث:
– إنتاج 27 شريط طويل مكتمل بموجب سنة 2024،
– منح مبلغ 73,5 مليون درهم لدعم للإنتاج الوطني،
_ منح مبلغ 1240 مليون درهم لتشجيع الإنتاجات الأجنبية،
– بلغ رقم معاملات المنتجين المغاربة 666 مليون درهم بما فيها 90 مليون درهم من صندوق الدعم الوطني،
– فيما بلغت الميزانية المستَثمرة من طرف المنتجين الأجانب 633 مليون درهم، بما فيها 146 مليون درهم كدعم،
– حصيلة مداخيل شباك التذاكر بلغت 128 مليون درهم في مجموع 78 قاعة، مقابل 89،4 سنة 2023 في مجموع 81 قاعة؛
– منحت لجنة دعم المهرجانات 78 إعانة سنة 2024 بغلاف مالي إجمالي قدره 34,19 مليون درهم، مقابل 67 مهرجان سنة 2023،
– إرتفاع حصيلة صندوق خزينة المركز ب14 مليون درهم بين 2023 و2024، بفضل ضخ مساهمة إستثنائية بخصوص دعم رقمنة القاعات السينمائية بلغت 30 مليون درهم (رغما عن تسجيل خسارة 9,5 مليون درهم بسبب تصاعد كلفة المصاريف القارة)، حيث ارتفع الحساب العام للمركز من 548 مليون درهم سنة 2023 إلى 562 مليون درهم سنة 2024،
– مع تسجيل بعض الهفوات التدبيرية تخص الأصول التابثة وعدم جردها ماديا (يشير التقرير إلى مبلغ 151 مليون درهم، وهو رقم ضخم يصعب تجاهله)، إضافة إلى عدم تمرير وثيقة المخزون المادي لخرق مسطري، مع ضبط هفوة عدم تقييد البنايات الجديدة على عقار مقر المركز بسجلات المحافظة العقارية… وتلك أشياء (ربما) يمكن إحالتها على مسؤولية الإدارات السابقة المتعاقبة.
فيما تعلق بالتقرير الأدبي، فقد سطر على النقاط الإيجابية الواردة بالقانون الجديد 23-18 مقارنة مع القانون السابق 99-20، من حيث “توسيع إطار العمل وتناسقه، وضوحه وصرامته، معياريته الميدانية، مراقبته للمحتوى، دعمه القوي للصناعة المحلية، تأهيله للكفآت الوطنية، تأطيره التصويبي للخروقات، تقوية دور المركز مع إعادة هيكلته، شفافيته المؤسساتية، تحسينه للتأطير الثقافي، تقنينه للوسائط البديلة” (كما أتى بالتقرير)، كل ذاك في قطيعة شبه تامة مع ما كان معمولا به لسنوات خلت، عُرفت ب”محدودية المقاربة الصناعية، ضعف التأطير، ضبابية النصوص وتطبيقها، تهميش التكوين المستمر، ضآلة العقوبات وتعويمها، غياب سجل وطني للمعطيات والعقود، ضعف مواكبة المهرجانات…”.
معطيات بها كثير من الملايين مع التأكيدات والنوايا، لكن تنقُصها المقاربة الميدانية والملموسة، كما تفتقِد لجزء كبير من المصداقية، في غياب تفعيل آليات خراجية ومستقلة للتتبع والمراقبة (مؤسسات غير حكومية، ومجتمع مدني، ومتتبعين خواص ونزهاء للشأن السينمائي الوطني)، في إطار التشاركية المنصوص عليها دستوريا.
على العموم، ورغما عن بعض الهفوات التدبيرية، التي يمكن ردها لكثرة المشاكل المترتبة منذ عقود، ولطغيان فِكر مُتحجر ومُتقادم مُسيطر على دواليب الميدان منذ زمان، لا بد من الإشادة بعمل المدير الحالي بالنيابة للمركز السينمائي السيد عبد العزيز البوجدايني (تم تعيينه من طرف وزير القطاع منذ يناير 2023)، حيث استطاع بحنكة الإداري المُتمرس (شغل منصب مدير الموارد البشرية والمالية بقطاع التواصل لسنوات عدة، ثم كاتبا عاما لوزارة الاتصال منذ يوليو 2023) من الغوص في ملف المركز السينمائي المغربي والإحاطة بكل تفاصيله التقنية والفنية الدقيقة والشائكة، وانكب على إصدار قانون الصناعة السينمائية الجديد 23-18 (المشروع الحكومي)، بمعية كوادر المركز والوزارة وخبراء خارجيين (على عِلاته التي كتبت عنها سابقا)، كما تفرغ لبسط نصوصه التنظيمية عبر جولات من المشاورات مع المهنيين (حضرت شخصيا إحداها، وكنت شاهدا على تفوق السيد البوجدايني (الوافد الجديد) تقنيا وفنيا وقانونيا، على “مهنيين” عمروا أكثر من 30 سنة بالميدان).
وفي حديث آخر:
ينعقد المجلس الإداري للمركز السينمائي المغربي على خلفية طلبية شغل منصب سامي شاغر يخص منصب “مدير المركز السينمائي المغربي” (الحالي هو معين بالنيابة)، وهو بنظري أمر يُجانب الصواب والحكمة، وهو إلى ذلك بالنسبة لي نوع من العبث الإداري، حيث كيف يُعقل أن يتم التخلي على كل المجهودات الملموسة (تقارير 2024 تشهد بذلك) التي قام ويقوم بها المدير الحالي بالنيابة (مع تسجيل هفوات السفريات إلى المهرجانات الدولية دون استراتيجية مهنية وتواصلية محكمة ولا نتائج ملموسة)، وعدم تمتيعه بترسيم فعلي بالمنصب عرفانا من الإدارة، والسيد الوزير، والسيد رئيس الحكومة بصفته رئيس المجلس الإداري للمركز.
سنتان ونصف، التي أمضاها السيد البوجدايني على رأس المركز، غير كافية له، ولأي شخص، لبسط رؤية الحكومة في تطوير القطاع السينمائي ل”صناعة سينمائية”، وهي أيضا، إداريا وسياسيا وتقنيا، غير كافية للحكم عليها وعلى نتائجها، وغير مريحة تدبيريا، مع صفة “بالنيابة”، لبسط استراتيجية الحكومة بشكل فعال ومؤسساتي سليم.
في مقابل ذلك، يعلم الجميع أن الأسماء التي رشحت نفسها للمنصب، في إطار مسطرة التباري العمومية، التي وقفت حاليا على ثلاثة أسماء، هي معروفة ميدانيا عند كل مهنيي القطاع، ومتتبعي الشأن السينمائي المغربي من نقاد وصحافة وخبراء، بمحدوديتهم المعرفية بالميدان، وبجهلهم لتدبير المرفق العمومي، وبفشلهم حتى في شأن مهامهم الحالية سواء بالقطاع الخاص أو العام (لا مجال هنا لجرد ذلك مع الحجج).
لكل ما سبق ذكره، أرجو من أصحاب القرار أخذ الأمور بجدية، وتبيان ظواهر الأمور وخفاياها، والتحلي بروح الوطنية العالية وتفعيل مبدأ العرفان للكفآت، كما هو الشأن بالنسبة لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهذا لا يُعفي من النقد الذاتي وتصويب البوصلة خلال التدبير اليومي.
ظني بشخص السيد عبد العزيز البوجدايني، إنه رجل المرحلة، وهذه شهادة مني بدون مجاملات ولا زبونية ولا محسوبية، الشيء المعروف عني ولله الحمد.
فل تتركوه (حكومة وإدارة ومهنيين) يشتغل لمدة انتداب كافية، على قدر حمولة المشروع الحكومي لتفعيل “صناعة سينمائية” وطنية، وساندوه بالمشورة والنصيحة والنقد البناء، من أجل إنجاح هذا المشروع الوطني الكبير والواعد، لما فيه خير الجميع.