يواصل شيخ الاحتفالية، والاحتفاليين، النبش في التأريخ لتاريخ مسرح مرتبط جلال بتاريخ التاريخ والتاريخانية، ويضل إلى الرصد، 71 ونعتز بالتواصل مع إبداع الرجل واسهامه التأريخي.. فاتحة الكلام: بخصوص هذا الاحتفالية التي ملأت الأوراق بحبر العلم والفكر والفن والمعرفة والحكمة والصناعات الإبداعية يقول الاحتفالي ما يلي:
هي احتفالية ما وراء طبيعية وما فوق واقعية، قدرها ان تعيش في الحياة وفي ما وراء الحياة وفي اليومي وفي ما وراء اليومي، وان تكون في التاريخ صفحة من صفحات التاريخ، وان يكون وجودها مشروطا بوجود الحياة و الأحياء،
و بوجود الإنسان والذي هو في الأصل حيوان احتفالي، وهو كائن ثقافي، وهو مواطن مدني، وهو مواطن كوني ينتمي الى كوكب الأرض
وهذه الاحتفالية، في إنسانيتها ومدنيتها وفي حياتها وحيوتها، قد يوجد اليوم من لا يعرف حقيقتها، ومن لا يعرف معناها، ولا يعرف دورها في حياة الأفراد والجماعات و المجتمعات، ومن حقنا ان نقول البوم، بان ذلك العقل الوثني القديم، والذي تمثل الله في حجرة، او في شجرة او في مظاهر معينة في الطبيعة، هو نفس العقل الأسطوري الذي مازال يجسد هذه الاحتفالية في اجساد، و يشخصنها في اسماء اشخاص وشخصيات، و يخطئ اليوم كل من لا يعرف بان الاحتفالية ليست هي الاحتفاليين، وان هذه الاحتفالية القديمة الجديدة، وعبر التاريخ، تظل في حاجة متجددة لمن يناقشها ولمن يجادلها، ولمن يتحداها بالأفكار الأخرى، وبالتصورات والأحلام الأخرى، وبالاختيارات الفكرية والجمالية والأخلاقية الأخرى
ومن سوء حظ هذه الاحتفالية انها قد وجدت في مجتمع يسمع اكثر مما يقرا، ويتبع اكثر من يبدع، ويتكلم اكثر مما يفكر، و يختلق اكثر مما يخلق، ويصدق اكثر مما يشك، حتى استحق ان يقال عنه بحق بانه ظاهرة صوتية، ولعل هذا هو ما يفسر غربة الاحتفالي والاحتفالية في أمة تكتفي بان تردد كثيرا من الشعارات اللفظية، والتي قد لا يكون لها اي معنى، وان تخاصم الاجتهاد و المجتهدبن، وان ترفع شعار التجريب ولا تجرب،
وهذه الاحتفالية، والتي هي أساسا حركة افكار وهي صيرورة تصورات واختيارات، قد تمثلها الدارسون و الباحثون والنقاد المسرحيون المغاربة والعرب وهي مجرد جسد مادي موجود بين حدين اثنين؛ حد الحضور وحد الغياب وبين حد الوجود وحد العدم، وهم اليوم، تماما كما كانوا بالأمس، مازالوا، وبحس وثني، مازالوا يجسدون هذه الاحتفالية في اجساد وفي اسماء وفي اشخاص معينين، وهذا هو ما يفسر هذه الحرب العبثية على الاحتفاليين، والذين هم مجرد حملة الأفكار و المبادئ الاحتفالية،والتي هي افكار إنسانية كونية لها وجود في كل زمان ومكان وفي كل المجتمعات الإنسانية في التاريخ
كتابة تقيم في الأوراق وكتابة تسكن الأرواح
لقد تعودنا ان لا نرى إلا ما تراه العين، مع ان الأصدق والأخطر هو ما تراه الأرواح، وهو ذلك الخفي الذي لا تدركه العيون، ولقد افترضنا الحضور والغياب في الأجساد المادية فقط، والتي لها مسكن مادي تسكنه وتقيم فيه، إما هنا او هناك، او في اي مكان من الأمكنة، او في اي زمان من الأزمنة، واعتقد انه لا يعقل ان نختلف في ان هذه الاحتفالية ليست جسدا من الأجساد ولا شيئا من الأشياء، وعليه، فقد امكن لنا ان نقول ما يلي، ما لا تدركه كثير من العقول في النقد المسرحي المغربي والعربي هو ان هذه الاحتفالية هي مجرد افكار رمزية، وهل للأفكار طول وعرض ولها سكن تسكنه، غير يكنى الروح والعقل والوجداني والخيال طبعا؟
ان الأفكار الكبيرة، كما يؤكد الفنان الاحتفالي، لها وجود فقط في العقول الكبيرة وفي الأرواح الكبيرة وفي السياقات التاريخية الخطيرة، هي جمال رمزي له وجود رمزي في العقول المفكرة وفي الأرواح الحية، وفي النفوس الإنسانية الجميلة والنبيلة دائما، وهي حضور يرانا ولا نراه، ولكن مولانا التاريخ يعرفه ويراه بكل تاكيد، وفي هذا المعنى يقول مولانا جلال الدين الرومي
(ومن كان في حنايا الروح مسكنه
فلا فرق إن راته العين او غاب)
وكذلك هي هذه الاحتفالية، والتي لها مسكن قائم و دائم في حنايا الروح، وليس روح الأفراد والجماعات بكل تاكيد، ولكن روح الحياة وروح الأيام والليالي، وروح الأفكار و المعاني، وروح التاريخ وروح الوجود، وهي بهذا اكبر وأخطر من كل الأسماء ومن كل المسميات العابرة في التاريخ العابر
ومن المعقول ان تخاصم الأشخاص، ولكنه من العبث ان تحارب الافكار وروح الافكار، وهم اليوم في المغرب، وفي كثير من جهات العالم، (يقتلون) الاحتفاليين بدم بارد، و ينتظرون ان تموت الاحتفالية الأم، وهذا هو العبث وهو الحمق وهو اللامعقول، وهم بحكم سلطتهم وتسلطهم يبعدون هذه الاحتفالية إلى الربع الخالي، حيث لا حياة ولا احياء، ومع ذلك تظل هذه الاحتفالية قريبة و حاضرة و فاعلة و منفعلة ومتفاعلة ومؤثرة ومشاغبة و مشاكسة و عصية على الغياب والتغريب وعلى الغربة والتغريب وعلى النفي و المنفى
يقول الاحتفاليون، وهم في الأصل حملة افكار و حملة مبادئ و حملة قيم انسانية كونية، ان من يريد ان يبني اي بيت، على اسس قوية وسليمة، فإن عليه ان يحفر في الأرض أولا. وان يبدا من اعماق هذه الأرض ثانيا، وان يقيم بناءه في مجال الصناعات الابداعية على اسس فكرية وجمالية و اخلاقية متينة، وان يعلم ان كل بيت مرسوم على سطح الأوراق لا يمكن ان بعمر طويلا
والمطلوب من هذا الاحتفالي المؤسس ان ينصت لروح الاحتفاليين الصادقين في العالم، وفي التاريخ، وان يتبع خطى المؤسسين، وان يضيف اعلمهم علما، وأن يضيف لفنهم فنا، وان يضيف لحكمتهم حكمة، وان يضيف لكلامهم كلمة، وقد تكون كلمة واحدة صادقة اخطر من مليون كلمة بلا معنى
وفي النفس السابق من هذه الكتابة تحدثت عن واحد من حملة الأفكار الاحتفالية، والذي هو المخرج والشاعر والباحث الاحتفالي عبد المجيد فنيش، وتواصل في هذا النفس الجديد نفس الحديث عن حكماء الاحتفالية وشهودها، وذلك من خلال اسمين هما، الأستاذ الكاتب رضوان احدادو والباحث المسرحي محمد محبوب، و ذلك من خلال كتاب جمعهما، وهو الكتاب الذي اعطاه كاتبه عنوان (رضوان احدادو و رهان التأريخ للمسرح بالشمال) والذي سعدت بان كتبت بان كتبت له التقديم
وشعار هذا الاحتفالي المتفائل، جسدته العيطة المغربية الشعبية التي تقول بلسان كل المتفائلين في العالم ( إلى خيابت دابا تزيان) نعم، والى (زيانت) فإن المطلوب ان تستمر في (زينها) وان تزداد جمالا وجمالا مع الآتي من الأيام والليالي و الأعوام
و(مهنة) الاحتفالي ـ اذا جاز ان تكون الاحتفالية مهنة ـ هي ان يبشر كل اهل الارض، في كل زمان ومكان، بان الفرح ممكن، وبان العدل ممكن، وبان التغيير ممكن، وبان المدينة الفاضلة ممكنة الوجود، وبان الأجمل والأكمل في حياتنا و اعمارنا ليس هو الذي مضى، ولكنه ذلك الذي سوف ياتي، والذي ينبغي ان ياتي، وهذا الاحتفالي هو الذي اختار ان يكون متطوعا، وان ينشر ثقافة الفرح، وان يحرض على الجمال، وان يؤسس الجميل، وان يوقد في الظلام شمعة، من غير ان يشتم الظلام، ومن غير ان يدين الظلاميين وان يلعن تجار الظلمة وتجار الظلامية، لأن هذه المهمة ليست مهمته، ولكنها مهمة التاريخ، واخر كلمة نتركها دائما سلطة التاريخ العادلة والمنصفة../..