بقلم : دعاء سميح
ليس من السهل أن نقول إننا لسنا بخير، خاصة حين نبدو من الخارج بكامل طاقتنا ونشاطنا، لكن الحقيقة التي يصعب على الكثير من الشباب التعبير عنها، هي أن الاكتئاب صار جزءاً صامتاً من حياتهم اليومية، يتغلغل في التفاصيل الصغيرة ويخفي نفسه تحت قناع الضحك والمشاركة الاجتماعية والإنجازات المدرسية أو المهنية. يبدو الاكتئاب لدى جيل اليوم في صور غير تقليدية، لا يشبه الصورة النمطية التي رسمها الإعلام سابقاً، فلا بكاء علني ولا انعزال دائم، بل هو تعب داخلي، انطفاء غير مرئي، وثقل لا يراه الآخرون لكنه يسحق صاحبه من الداخل ببطء وبصمت. المشكلة الأكبر ليست في الألم بل في الصمت، في ذلك الحاجز غير المرئي الذي يجعل الشاب أو الشابة غير قادرين على البوح، لأن المجتمع لا زال يرى في الاعتراف بالمرض ضعفاً، وفي الحديث عن الألم النفسي دليلاً على فشل في الإيمان أو التربية أو الشخصية. حين يقول أحدهم “أنا مكتئب”، يُستقبل غالباً بنصائح جاهزة وسطحية: صلِّ أكثر، اخرج من البيت، لا تفكر كثيراً. لكن أحداً لا يسأل: ماذا تشعر بالضبط؟ ماذا يحدث في داخلك؟ في محيط جامعي أو مهني مليء بالضغط والتنافس والقلق من المستقبل، يتحوّل الاكتئاب إلى حالة شائعة لا يُلتفت إليها، بل يُنظر إليه ككآبة عابرة، أو مزاج سيئ لا غير. هذا التجاهل الجماعي يجعل الاكتئاب أكثر شراسة، ويجعل المصابين به أكثر عزلة، خاصة وأن أغلبهم لا يملكون مفردات دقيقة لشرح ما يمرون به، ولا يجدون آذاناً حقيقية تستمع إليهم دون إصدار أحكام. والخطر يتضاعف حين نتحدث عن المراهقين، أولئك الذين يقفون في أول الطريق لا يعرفون أين البداية ولا كيف تُرسم الحدود ولا إلى أين يتجهون، ينهضون كل يوم بقلق لا اسم له، ويخفون ارتباكهم خلف ابتسامة باهتة أو مزاح صاخب أو ثقة مصطنعة. يخوضون حرباً صامتة لا يعلم بها أحد، ويتصرفون كأنهم بخير لأنهم اعتادوا أن يتظاهروا بذلك حتى لا يُسألوا، وحتى لا يقال لهم إنهم يبالغون. في أعماقهم خوف من الفشل، ومن المستقبل، ومن أنفسهم أيضاً، لكن لا أحد يراهم، ولا أحد يمسك بأيديهم في تلك اللحظة التي يحتاجون فيها فقط إلى من يقول: أنا أراك، وأنا هنا معك. إن ما نحتاجه ليس فقط الوعي بوجود الاكتئاب بين الشباب، بل خلق بيئة حاضنة وآمنة تُشجع على الكلام لا على الصمت، على الاستماع لا على الوعظ، وعلى الاحتواء لا على التقييم. فالشباب لا يحتاجون فقط من يطلب منهم القوة، بل من يمنحهم فرصة ليكونوا ضعفاء دون خوف، وأن يتحدثوا عن ذلك دون أن يُحاسَبوا على شعور لم يختاروه.