مواضيع ذات صلة

الهوية بين المنفى والجسر: حوار بين محمود درويش وأمين معلوف

بقلم: فاطمة الزهراء سهلاوي

في حوار افتراضي ثقافي في زمن العولمة، نحاول تقريب رؤيتين مختلفتين لمفهوم الهوية الثقافية من خلال أفكار كل من الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كما وردت في عدد من حواراته وأشعاره، خاصة في حواراته في مجلة الكرمل ومقابلاته الصحفية، حيث يؤكد دائمًا أن الهوية فعل مقاومة، وليست مجرد انتماء بيولوجي أو ثقافي.
والكاتب اللبناني أمين معلوف، خاصة من خلال كتابه “الهويات القاتلة”، إذ يؤكد أن الإنسان يمكن أن ينتمي لأكثر من ثقافة دون أن يخون أصوله، ويقول بالحرف: “كل انتماء نرفضه أو ننكره ينقلب إلى جرح.”


الحوار ليس حقيقيًا في الزمان والمكان، لكنه يستند إلى مواقف فكرية عبّر عنها الكاتبان في مناسبات متعددة. نحاول من خلال هذا الشكل الإبداعي تقديم قراءة في مفهوم الهوية بين التمسك بالجذور والانفتاح على الآخر.
محمود درويش (مبتسمًا):
أشعر أنه في زمن العولمة المتسارع، حيث تختلط الثقافات وتتداخل اللغات، لم تقترب الشعوب من بعضها كما يُقال، بل تذوب الفروق، ونسير جميعًا نحو نسخة واحدة من الإنسان… بلا هوية خاصة، بلا ملامح.
أمين معلوف:
أفهم تمامًا تساؤلك وقلقك حول هذه الإشكالية. لكن، ألا ترى أن الانفتاح الثقافي ليس بالضرورة فقدانًا للهوية؟ بل إن الهوية ليست مفهومًا جامدًا، بل تتغير، وتتغذى من روافد متعددة، ويمكنها أن تروي ذاتها من خلال الذكاء والانفتاح، من دون أن تغرق أو تضيع.


محمود درويش:
لكنني حين أكتب أو أتكلم، لا أفعل ذلك من فراغ. اللغة، المكان، الذاكرة، والجرح… كلها أدوات تعبير أستخدمها، وأشعر من خلالها أنني أحمي هويتي من الضياع، وأُبقي على طعم الزعتر حيًّا في الذاكرة. هذا ما يمنح هويتي ثباتًا، ويميّزها عن باقي الهويات.
أمين معلوف:
وأنا أرى الإشكالية من زاوية مختلفة. أكتب لأفهم تعدديتي. رغم أنني أكتب بالفرنسية، لست غربيًا. وُلدت في الشرق، وأؤمن أن الإنسان يمكنه أن ينتمي لأكثر من بيت، دون أن يخون أصوله. هذا هو الانفتاح الثقافي الذي أؤمن به.
محمود درويش:
جميل ما قلته عن الانفتاح، لكن ماذا عن إنسان يعيش في منفى؟ منفيّ حتى عن ذاكرته، في وطنه أو خارجه؟ بالنسبة لي، الصمود في هذه الحالة هو تثبيت لهوية الأصل. ليست الهوية مجرد انتماء… بل مقاومة أيضًا.
أمين معلوف (بهدوء):
وهنا تختلف زاويتانا فعلًا. أنا أراها جسرًا لا هاوية. عبر هذا الجسر نبحث عن ذواتنا المختلفة. أما الانغلاق باسم النقاء والانتماء الأوحد، فيقود إلى صراعات لا تنتهي. بالنسبة لي، الهوية المتعددة لا تعني التنازل، بل تعني التوازن… وفهم الآخر المختلف.
محمود درويش (يبتسم راضيًا):
أرى أننا ننطلق من موقفين مختلفين: أنا أكتب لأحمي الذاكرة، وأنت تكتب بحثًا عن تعددية الهوية وذواتك المتعددة. لكن ربما نلتقي في نقطة واحدة: أن الهوية الحقيقية تحتاج دائمًا إلى حرية، حرية تُظهر الطريق بوضوح.
أمين معلوف:
نعم، أوافقك تمامًا. وتبقى الحرية ممكنة فقط حين نكفّ عن الخوف من الآخر… حتى وإن كان هذا الآخر داخلنا.