مواضيع ذات صلة

مكتبات مغربية تقاوم النسيان: حين يصبح الغبار شاهدًا على المعرفة

بقلم: فاطمة الزهراء سهلاوي

في زمن السرعة والرقمنة، تقف مكتبات لا تزال تحرس زمنًا من الورق والمعرفة. لكنها تواجه هذا العصر الرقمي الجديد، الذي لا يعرف الانتظار، فهو سريع بشكل مبهر، ويؤثر على كل زاوية من زوايا الكتاب، الذي يوضع في مكتبات كانت لها أهمية كبرى في العصور السابقة.
ليست هذه المكتبات مجرد محلات تجارية، بل هي ذاكرة جماعية وشواهد صامتة على عصور من الفكر والإبداع المغربي، الذي بات مهددًا بفعل التحولات المتسارعة التي تهدد هويات وثقافات متعددة.
ومن بين هذه المظاهر، ما نلاحظه في قلب المدينة القديمة، قرب “السويقة”، حيث نجد بعض التجار يفترشون الأرض بمجموعة من الكتب لبيعها. وهذا يدل على أن كل مكان يُباع فيه الكتاب يُعد امتدادًا لمكتبة مغربية، سواء كان على الرصيف، أو في دكان صغير، أو في محلات كبرى. كل هذه الأشكال تشترك في معنى واحد: المكتبة المغربية أو العربية العتيقة.
يوجد في المغرب عدد من المكتبات المعروفة، مثل خزانة الحمزاوية بفاس ومكتبة الأندلس بتطوان، وهي مكتبات ما تزال تقاوم النسيان، وتحاول الحفاظ على نشاطها، وترفض بيع أرشيفها التاريخي رغم العروض المغرية.
ورغم الغبار الذي يغطيها، فإن هذه المكتبات تحتفظ بمعرفة كبيرة، وزخم من الكتب الرائعة، التي قاومت مرور السنين وظلت راسخة في مكانها. ومع ذلك، أصبحت المكتبات اليوم لا تواجه فقط العصر الرقمي، بل تواجه أيضًا جهل الأمة، التي نسيت أن للقراءة طابعًا خاصًا، وأن التفاعل مع الكتب الورقية له جانب مميز.
لقد أصبحت هناك منافسة واضحة بين الكتب الورقية والكتب الإلكترونية، إذ صار كثير من القراء ينجذبون نحو شاشات الهاتف وينسون رفوف الكتب، رغم أن رائحة الورق وحنين المكان لا يمكن تعويضهما، ولا يمكن الشعور بهما عبر المنصات الرقمية.
غير أن الخطر المحدق بهذه المكتبات لا يقتصر فقط على قلة الزوار، بل هناك أيضًا مشكل آخر، وهو غياب التوثيق والدعم الرسمي. فالكثير من هذه الخزائن قد تُغلق أبوابها بصمت، وتُباع كتبها بالكيلو، دون أن يسأل أحد عمّا ضاع.
وهذا ما يؤكد أن غبارًا مندثرًا يكسو مكتبات كانت لها قيمة ثقافية كبيرة في الماضي، لكنها اليوم أصبحت مجهولة بالنسبة لجيل لا يهتم كثيرًا بالتراث، ولا يقدّر الوصية الثقافية التي قد تنقرض مع مرور الزمن.