مواضيع ذات صلة

كتاب يوميات الحداد (26 أكتوبر 1977 – 15 سبتمبر 1979) للكاتب الكبير رولان بارت

يبدأ بارت تدوين يومياته في اليوم التالي لوفاة والدته، في 26 أكتوبر 1977، استجابة لإلحاح داخلية مفعمة بالحزن. هو لا يكتب سردًا متسلسلًا، بل يفرّش نصه على بطاقات صغيرة، يومية، تأرجح موجز مُركز لصور الذكرى، لتغدو كلّ بطاقة نافذة على جلطة عاطفية مكثفة وصفحة شعورية مظلمة
يركّز على المشهد اليومي في غرفتها – الجدار الذي انزلقت عليه رأس السرير، طاولة الزهور، أيقونة صغيرة «ليس من منطلق إيمان، لكن للحفاظ على الزهور حية بلا ذبول» . هذا التفصيل يُظهر كيف تحول الحداد إلى فعل وجودي، صراع يومي للحفاظ على ذاكرة حية، مثل ولادة احتفالية بالغياب.
خلال 330 بطاقة، تتجلّى لحظة انهيار اللغة. في 4 نوفمبر 1978، وصل بارت إلى إدراك أن “الكتابة لم تعد ممكنة”، لأن “الموت اخترق اللغة نفسها”، فكشف الحدّ القاضي ضدّ القدرة على التعبير . هذه لحظة محورية: حيث تمس السياسة الداخلية للكتاب، ليصبح مشهدًا لمعارك داخل الطبيعة اللغوية.
يتلمّس بارت الصمت داخل الجمل، في تلك اللحظات التي يكتب فيها: “اليوم، تظلّ فكرة موتي مقبولة” . هنا إقرار نادر يتجاوز الحداد ليصل إلى تأصيل الوعي بالموت كعامل مشترك، وتحرير للغة من ضغوط الاصطناع الاجتماعي، ليُعبر عن علاقة جديدة بين الحية والموت.
يتكرر الإحساس بالصمت العميق: “في لحظة كتابة البطاقة، يصمت الداخل. الكتابة تصبح فصلًا بين سنوات لا يمكن وصفها”، حضور داخلي يضبط وتيرة البطاقة، لا أكثر، متنقلًا في مساحة المسافة الزمنية التي تفصل عن الحدث؟ .
هذه المفارقات تعطينا فهمًا أعمق: يوميات بارت ليست مجرّد ذكريات حزينة، بل محاولة بناء لغة ضد الموت، أو على الأقل، بناء لغة تعترف بقدسية الغياب. إنها لحظة مقاومة أنطولوجية، حيث يتهدّم النصّ ويتحرّر معًا.