أمينة عباس- دمشق
يتابع المخرج المسرحي السوري رائد مشرف بروفاته على عمله المسرحي الجديد “آخر ليلة.. أول يوم” تأليف جوان جان والذي من المقرر أن يُعرض في الشهر القادم على خشبة مسرح الحمراء بدمشق برعاية وزارة الثقافة السورية ومديرية المسارح والموسيقا، وتعد “آخر ليلة أول يوم” أول تجربة مسرحية تجمع المخرج مشرف مع الكاتب جان الذي يقول: “أحرص دائماً على العمل مع المخرجين الذين يقدّرون قيمة النص الذي يختارونه لنقله إلى خشبة المسرح، وأعتقد أن التفاهم بين الكاتب والمخرج على شكل ومضمون العرض المسرحي أمر لا بد منه لنجاحه، وأنا لستُ من الكتّاب الذين يصرّون على تقيّد المخرجين بكل حرف من نصوصهم لأنني أؤمن أن عملية الإخراج عملية موازية لعملية الكتابة وليست تابعة لها، وبنفس الوقت أحزن وأعترض عندما أرى مخرجاً ما قد أهمل –عن قصد أو دون قصد- جانباً مهمّاً في نصّي المسرحي ونحّاه جانباً لأن هذا لن يضرّ بي ككاتب فحسب بل سيضرّ بالعرض ككل، وبالمخرج بالدرجة الأولى”.
المؤلف: جان جوان
الأزواج في ظل الحياة اليومية
وعن مضمون المسرحية يحدثنا جان: “تطرح مسرحية “آخر ليلة.. أول يوم” قضية اجتماعية على غاية من الأهمية هي علاقة التوتر القائمة بين الأزواج في ظل الحياة اليومية الرتيبة والمملّة، خاصة في ظل عدم وجود أطفال من خلال زوجين يحتفلان بعيد زواجهما الخامس، وقد عقدا العزم في اليوم التالي لاحتفالهما على الطلاق لأنهما يعتقدان أنهما وصلا إلى طريق مسدود في علاقتهما الزوجية، وبتتالي حوارات المسرحية يكتشف الجمهور الكمّ الكبير من الخلافات القائمة بينهما وكيف أن كل طرف يتمترس وراء أفكاره وتقييمه للطرف الآخر، لتنتهي المسرحية بالتأكيد على حتمية انتصار الحب في العلاقات الزوجية مهما بلغت درجة الخلافات”.
ويضيف جان: ” أركز في معظم نصوصي المسرحية على القضايا التي تهمّ الإنسان المعاصر، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الإنساني أو الوطني فالمُشاهد العربي بحاجة دائماً إلى أعمال تحاكي أحلامه وأمانيه، لذلك وبعد أن كان المخرجون في مراحل سابقة يعتمدون على الأعمال المترجمة أصبحوا يلجأون اليوم بشكل متزايد للاعتماد على الأعمال المحلية التي يكتبها كتّاب يطرحون فيها قضايا تمسّ الشارع بمختلف فئاته وشرائحه الاجتماعية الفعّالة إيماناً منهم أن النص المحلي أكثر قدرة على جذب أعداد متزايدة من الجمهور، خاصة وأن النصوص الأجنبية تحتاج إلى عملية إعداد قد تكون مضنية حتى تكون صالحة للتقديم للجمهور”.
المسرح الواقعي
أما المخرج رائد مشرف فيبين لنا أن اختياره لنص الكاتب جوان جان لم يقع إلا بعد اطلاعه على العديد من النصوص، وقد لفت انتباهه نص جان “آخر ليلة أول يوم” كثيراً: “اخترتُ هذا النص المكتوب بحوار مشدود ومترابط لأنه يتناول علاقة الرجل بالمرأة ضمن الحياة الزوجية خاصة وأني أنحو في أعمالي لما هو حياتيّ ويلامس الناس لأني مؤمن أن سرّ نجاحنا في الدراما التلفزيونية والسينمائية والمسرحية هو أننا لم نبتعد عن هموم الناس ومشاكلهم وتسليط الضوء على الكثير من التفاصيل في حياتنا لذلك أميل إلى المسرح الواقعي وقد اعتمدتُ في كل عروضي التي قدمتُها على نصوص تحاكي هموم الناس، حيث تناولتُ المهمَّشين الذين لم يأخذوا فرصتهم في الحياة، ويتجلى ذلك في عرضي الأخير “المبارزة” وكذلك في “وحشة” في حين تناولتُ في مسرحية “فوضى” معاناة ست فتيات، وأستطيع القول أنني بعيد عما يسمى بمسرح العبث والأشكال المسرحية الأخرى التي أظنّ أنها لا تناسب طبيعة المسرح السوري والعربي، وهي أشكال مناسبة أكثر لتكون في المهرجانات المسرحية لأنها بعيدة كلّ البعد عن الجمهور”.
المخرج: رائد مشرف
بعيداً عن التعقيد
وعلى صعيد الشكل الفني الذي يتبعه رائد مشرف في تقديم “آخر ليلة أول يوم” كنصّ واقعيّ يوضح لنا قائلاً: “بعد اختياري لنص قوي يتناول فكرة تفيد الناس، أحرص على تقديمه بشكل بسيط بعيداً عن التعقيد في الشكل الفني، وهاجسي الدائم العمل مع الممثل على الخشبة لأنه أهمّ عنصر في العمل المسرحي ليكون عندي دائماً الورقة الرابحة في العرض دون التقليل من أهميّة العناصر الأخرى، لذلك أذهب باتجاه العمل معه لأقدّمه بشكل يخدم الدور الذي يقوم به والفكرة التي يسعى لإيصالها”.
مخرج وممثل
عادةً ما تعتمد أعمال مشرف المسرحية على عدد كبير من الممثلين، وهو لا ينكر أن ذلك ينتج عنه عدد من الصعوبات والمشاكل بسبب الظروف المعيشية والحياتية الصعبة وارتباط بعض الممثلين بأعمال تلفزيونية: “أصبح المخرجون في الفترة الأخيرة يفضّلون النصوص التي تعتمد على أقل عدد من الممثلين وهو ما توفر في مسرحية “آخر ليلة أول يوم” التي تعتمد على وجود شخصيتين فقط كان الخيار الأول لي كمخرج في تجسيدهما الفنانة عهد ديب لأنها ممثلة من الطراز الرفيع، وأنا مؤمن بموهبتها وقدرتها على تجسيد شخصية الزوجة، في حين أعترف أن شخصية الزوج أغرتني كثيراً لأجسدها بنفسي، خاصة وأنني ممثل بالأساس ولم أقف على خشبة المسرح منذ سنوات، مع إدراكي التامّ بصعوبة عملي كمخرج وممثل، ولا أنفي أن ذلك يتطلب مني الكثير من الجهد والعمل إلا أنني متأكد من أن النتيجة ستكون مُرضية لأنني حريص كمخرج على أن أكون كممثل على الخشبة كما يجب، مستفيداً من ملاحظات الأصدقاء والزملاء الذين يتابعون بروفات المسرحية”.
يُذكر أن المخرج رائد مشرف لم ينقطع عن الخشبة المسرحية ممثلاً ومخرجاً، وظلّ مخلصاً لها على الرغم من مشاركاته التليفزيونية والسينمائية، وقد حصل على جائزة أفضل عرض متكامل في مهرجان المسرح الجامعي الذي أقيم في دمشق قبل أكثر من عام من خلال مسرحية “المبارزة”.
الممثلة: عهد ديب
شريك حقيقي
وحول مشاركتها في المسرحية تعبّر الفنانة عهد ديب عن سعادتها بخوض هذه التجربة مع المخرج رائد مشرف، حيث تقف لأول مرة على الخشبة لتشارك في عمل للكبار وبشكل احترافي بعد تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية وهي التي في رصيدها عدد من الأعمال المسرحية الموجهة للصغار: “كان عندي شغف كبير ورغبة قوية لخوض هذه التجربة للعودة إلى خشبة المسرح التي أعشقها من خلال عمل يقدمني بطريقة صحيحة، وهذا ما وجدتُه أولاً في النص الذي أغراني باعتباره يتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة في الحياة الزوجية التي هي أساس المجتمع، وهو نص اجتماعي يلامس كل بيت وأسرة، إضافة إلى وجود المخرج رائد مشرف الذي يعجبني عمله وإحساسه في المسرح وهو واثق بقدراته وبالنتائج التي يصل إليها من خلال العمل على الممثل الذي يصبح معه شريكاً حقيقياً وليس تابعاً بسبب تعاونه الكبير معه ومناقشته لكل الاقتراحات التي يقدمها، إلى جانب اجتهاده وشغفه ومرونته وتركيزه في العمل، فهذه الأمور تمنح الممثل طاقة كبيرة يعمل على استغلالها وهو مطمئن على النتائج”.