بقلم: فاطمة الزهراء سهلاوي
في زمن السرعة والشاشات، أصبحت القصص المختزلة على “الريلز” و”الستوري” أمام أعين الإنسان هي السائدة في مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الظاهرة تطرح، في عصرنا الحالي، أسئلة تثير الخوف من المستقبل ومصير الحكاية الشعبية التي كانت تُروى في الليالي الطويلة على ضوء الفانوس، وتؤنس بها الجدّات حفيداتهن.
في الماضي، كان الحكواتي يتواجد في ساحات متعددة، نذكر منها على سبيل المثال ساحة جامع الفنا، بصوته الرخيم وحركاته المسرحية، يدور حوله جمهور من الناس، يتفاعلون مع قصصه من الضحك إلى العيش الحقيقي لشعور تلك الحكايات.
لكن الإشكال المطروح اليوم هو: هل ما زالت للحكاية الشعبية مكانة في داخلنا؟ أم أنها رحلت بصمت، دون أن تترك بصمة، وتركتنا نعيش في عالم بلا خيال، يؤنسنا في غياب من كنا نحبهم؟
إن الحكايات الشعبية تلعب دورًا مهمًا في الثقافة المغربية، خاصة في ربط العلاقة بين الأطفال وأجدادهم. فكلما رُويت قصة، انقاد لها عقل الطفل، وأصبح متحمسًا للغد، لاستكمال أحداثها، التي تجمع بين المرح والحكمة في آن واحد.
الحكاية تسافر بالإنسان بخياله عبر الزمن، لكن هذا الفن الجميل أصبح غريبًا في زمن القصص المختصرة والمحتوى اللحظي، الذي يزول بسرعة ولا يترك أثرًا. كما فقدنا الكثير من الأماكن والفضاءات التي كانت تحتضن هذا الفن، وتمنحه الجوّ اللازم لسرد الحكايات بطريقة تجعل المتلقي يندمج ويحس بجمال الذاكرة الشعبية.
ورغم تراجع هذا الفن، فإن بعض الرواة الصامدين ما زالوا يحكون الحكاية، وكأنهم يتحدّون النسيان. غير أن الإشكال الأعمق هو ابتعاد شباب هذا العصر عن هذه الوسيلة الغنية في التواصل والتربية وتنمية الخيال.
في المقابل، بدأت تظهر بعض المبادرات الثقافية التي تحاول إحياء فن الحكي، من خلال المهرجانات والعروض الثقافية والفنية، التي تُقدَّم بطابع مسرحي مستوحى من الحكاية الشعبية. كما أن بعض المحتويات الرقمية في مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تُعيد تقديم القصص القديمة بطريقة حديثة تلائم ذوق الجيل الجديد.
إن الحكاية الشعبية ليست مجرّد قصص، بل هي رمز ثقافي وهويّة، نأمل من الشباب والفنانين المهتمين بالتراث أن يُسهموا في إحيائها وتطويرها، لتظل متوازنة، حاملة للمعرفة والتشويق، ومحفوظة في ذاكرة الأجيال القادمة.