بقلم: فاطمة الزهراء سهلاوي
في عالم فني مسرحي يتغير ويتسارع ويزدحم بالأسماء الفنية الجديدة، ويضيق بالذاكرة، يظل عبد المجيد فنيش حاضرًا ببصمته العميقة، شامخًا في أعماله، حافظًا على وهج المسرح المغربي، المعترف به بمداد إبداعه ومعرفته.
وُلد عبد المجيد فنيش في مدينة الرباط، وكان شغفه بالثقافة مبكرًا. ربطته علاقة وطيدة بالكلمة وإبداعها بتناغم مع فن الكتابة، لكن المسرح كان محبّته الكبرى. كرّس له جهده، وتكوّن في المغرب وخارجه، راكم تجربة جعلته مرجعًا، ليس فقط في التمثيل والإخراج، بل أيضًا في النقد والبحث الأكاديمي، وهو ما يميّزه بشمولية معرفته وعمقها.
منذ بدايته في ستينيات القرن الماضي، لم يكن عبد المجيد فنيش مشروعًا فنيًا فقط، بل كان فنانًا مؤسسًا لمشروع مسرحي متكامل، يجعل من الفرجة رسالة، ومن الهوية مرآة لوجدان المجتمع المغربي. مارس الإخراج والإنتاج واشتغل على التأريخ والتوثيق، ليصبح ذاكرة حيّة لمسار مسرحي طويل، تعاقبت عليه أجيال وحقب.
ما يميّزه أيضًا هو تعدّد أوجه اشتغاله؛ فهو فنان ميداني عايش الفرق المسرحية وتدرّب على الخشبة، وله ميول واضحة نحو الكتابة الغزيرة التي أضفى عليها طابعًا تعبيريًا خاصًا، تجلّى في أعماله ومساهماته في مؤسسات ثقافية أغنت الخزانة المغربية، وشاركت في بلورة السياسات الثقافية بالمغرب. كما أشرف على برامج إذاعية وتلفزية قدّم فيها المسرح للجمهور المغربي بأسلوب بيداغوجي مشوق، يختلف عن الأعمال المسرحية التجارية المنتشرة.
يُعتبر عبد المجيد فنيش رجلًا ذا نمط خاص، نظرًا لحضوره الدائم في اللقاءات الفكرية، والمهرجانات، والندوات، وحتى في هوامش الثقافة حيث يقلّ الحضور الإعلامي. صوته هادئ، لكنّه لا يتردد في قول رأيه بجرأة، مدافعًا عن المسرح وعن الأعمال المنتَجة بطرق إبداعية صادقة.
عبد المجيد فنيش ليس مجرّد اسم في التاريخ، بل هو شخصية مغربية صنعت تاريخ المسرح، وحرصت على توثيقه وكتابته، حتى يصبح جسرًا بين الأجيال، وذاكرةً مدوّنة تحفظها الكلمات مع مرور الزمن.