مواضيع ذات صلة

من صيام عاشوراء إلى الشعالة… الدين يلاقي التقاليد

حفصة الغزواني

تُعدّ عاشوراء من المناسبات الدينية والاجتماعية البارزة في المغرب، إذ لا تقتصر دلالتها على الجانب الديني فحسب، بل تتجاوز ذلك لتشكل مناسبة للاحتفال، والعطاء، والفرجة، وارتباطاً قوياً بالتقاليد الشعبية المتوارثة جيلاً بعد جيل.


في الأصل، ترجع عاشوراء إلى اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري، وهو يوم له مكانة خاصة في التراث الإسلامي، حيث يُقال إنه اليوم الذي نجّى الله فيه موسى من فرعون. وقد استمر الاحتفاء به في المغرب منذ قرون، لكنه اكتسى بطابع فريد يجمع بين التديّن والفرح والاحتفال الجماعي.
من أبرز مظاهر عاشوراء في المغرب “لعيد ديال الدراري”، إذ يتحول هذا اليوم إلى مناسبة للأطفال لاقتناء الطبول الصغيرة “الطعارج” و”البنادر”، ويجوبون الأزقة فرحين بالألوان والمفرقعات والألعاب، في أجواء من البهجة والمرح. كما يقوم الآباء والأمهات بشراء لعب وهدايا لأطفالهم احتفالاً بهذه المناسبة، وتُطلق الألعاب النارية رغم خطورتها، وتملأ الشوارع روائح البخور والنار.


إلى جانب ذلك، تُحيي الأسر المغربية طقساً خاصاً يسمى “الشعالة”، حيث يتم إشعال نار كبيرة في بعض الأحياء، خصوصاً في المدن القديمة، ويقفز الأطفال والشباب حولها مردّدين أغاني تقليدية، في تعبير عن الاحتفاء الجماعي والتطهير الرمزي بالنار. وتُعدّ هذه الشعالة من الطقوس القديمة التي تحمل في طيّاتها رموزاً ثقافية عميقة، مرتبطة بالتخلص من الطاقات السلبية وبداية سنة جديدة مليئة بالخير.
أما على المستوى الديني، فتصوم فئة من المغاربة يوم عاشوراء، اقتداءً بالسنة النبوية. كما يحرص البعض على إخراج “العاشوراء” وهي نوع من الزكاة تُقدَّم للفقراء والمحتاجين، خاصة في البوادي والمناطق التي لا تزال محافظة على طابعها التضامني القوي.
وتطبخ بعض الأسر المغربية وجبات خاصة بهذه المناسبة، تختلف حسب المناطق، من بينها “الرفيسة” أو “الكسكس بالقديد”، وتُوزّع على الجيران والأقارب، في مظهر من مظاهر الكرم والتلاحم الاجتماعي.
إن عاشوراء في المغرب ليست مجرد مناسبة دينية، بل هي لحظة جماعية يعيش فيها الناس تمازجاً فريداً بين المقدس والشعبي، بين الجذور التاريخية والابتكار الثقافي، ما يجعلها تراثاً حيّاً يعكس غنى الهوية المغربية وتنوعها.