مواضيع ذات صلة

دور المسرح في بناء شخصية الطفل

أمينة عباس – دمشق

على الرغم من أنه أصدر كتابين عن مسرح الأطفال والمسرح المدرسي وجد الباحث السوري د.هيثم يحيى الخواجة أنه من الضروري أن ينجز كتابه “دور المسرح في بناء شخصية الطفل” الصادر عن دار سويد كونه يناقش أفكاراً مهمة لا بد من الإنارة عليها، أو على الأقل التذكير بها وتعزيزها لدى المهتمين، مبيناً أنه من أهداف الكتاب تعزيز المعرفة بمسرح الطفل كي يكون أحد العناصر المفيدة في حياته، ومن أهم روافد ثقافته المتعددة عبر إبراز قيمة المسرح ودوره في حياة الطفل علمياً وثقافياً وتربوياً واجتماعياً، إضافةً إلى كونه نشاطاً حسياً، فيه من اللعب الذي يرافق الطفل في حلّه وترحاله، وبذلك يتم استثمار سلوكه وتفريغ طاقته ومنحه الشعور بالسعادة وتزويده بالثروة اللغوية وإغناء خياله وتأصيل القيم لديه وتعميق الاتجاهات السلوكية والأخلاقية.

عدو السخف والسذاجة

يقول الخواجة في مقدمة كتابه إنه مهووس بعالم الطفولة الواسع الثري لما يتضمنه من بهاء ونقاء وجمال وبراءة وطهر، مع تأكيده على أن غالبية الباحثين في أدب الأطفال أجمعوا على أن المسرح فن مهم لأنه يتضمن فنوناً كثيرة:” هو ينعش البصر والبصيرة ويدغدغ الأحلام ويحرك النبض ويسهم في تقوية وتنمية شخصية الطفل وفكره وذائقته الجمالية، من هنا فإن تأثير المسرح على الطفل نفسياً وعقلياً ولغوياً وحركياً وانفعالياً يدعو الكاتب المسرحي إلى أن يراعي هذه الخصائص عندما يود الكتابة للأطفال وإن لم يفعل فقد يرفض الطفل ما يقدم إليه بعزيمة وإصرار لأنه عدو السخف والسذاجة ويتوقع إيجابيات كثيرة يمكن أن يجنيها من الإبداع الذي يقدم إليه من ذلك المسرح، لهذا فإن المزاوجة بين الشكل والمضمون أسلوب يمهد لنص إبداعي طفلي لأن المسرح أداة تربية كما هو أداة متعة وجمال، ومن خلال ذلك يمكن إيجاد حلول لكثير من المشاكل بطريقة خلّاقة لمناقشة مجتمع الحاضر والمستقبل مثل تكريس الإيثار وتغييب تضخم الذات والتمسك بالاعتدال ومحاربة الكذب وتوظيف التراث لإبراز القيم لدى الأجداد”.

عرض مبتكر

يؤمن د.الخواجة كذلك أن الطفل قادر على الاستجابة الكبيرة والتفاعل، ولهذا فإن الدعوة في مسرح الأطفال إلى عرض مبتكر ومميز ضروري لأنه يولد أثراً فكرياً ونفسياً وجمالياً أكبر من الأثر الذي يولده المسرح لدى الكبار، حيث الطفل قادر على أن يتعلم ويمارس وينفذ ويتمثل، وهو بمعنى آخر قادر على أن يمارس تطهراً حقيقياً في المسرح بسبب تجاوبه العاطفي والعقلي، مع تأكيده على أن مسرح الطفل يختلف عن مسرح الكبار سواء أكان ذلك في حجم وسمات الموضوع المطروح أم في الإخراج أم في سينوغرافيا العرض، وعليه فإن الاختلاف في التوجه أساسه تحقيق أهداف لا بد منها في مسرح الطفل، منها تسريب القيم الأخلاقية داخل الأحداث دون فجاجة وبعيداً عن الخطابية لأن التركيز على هذه القيم له أثره الكبير في بناء شخصية الطفل وتنميتها لتكون سليمة معافاة.

عمل مسرحي طفلي ملهم وخلاق

كما يشير الخواجة في الكتاب إلى أن ضعف أو غياب مسرح الطفل يعد مؤشراً سلبياً يؤثر على تنمية شخصية الطفل وحياته لأنه يحتاج إلى المسرح حاجته إلى اللباس والغذاء، فهو يشكل وعيه وينهض بخياله ويجيب عن كثير من الأسئلة الحياتية كما يمنحه بعض الترفيه والسعادة والتأمل، :”الطفل يجب أن يرى صورة نفسه في العرص المسرحي الذي يقدم إليه، ولا يتحقق ذلك إلا عندما يطرح العرض صوراً من صور الطفولة، وعندما يعكس هموم الطفل وآماله وأحزانه فكما المسرح هو للّعب والترفيه والإسعاد فهو وسيلة مفيدة لعرض المشكلات ومعين قوي للطفل في التخلص من بعض العقد والأوهام، كما أنه يدفع الطفل إلى الصداقة والتعاون والتسامح وفهم أعمق للحياة لذلك على رجل المسرح التوغل في معرفة سمات وصفات وأبعاد وفنيات هذا المسرح لكي يمسك بناصيته ويتمكن من أهدافه، فالعمل فيه تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً وسينوغرافيا يتطلب جهداً كبيراً ورؤية وبحثاً ذاتياً عن الجدة والابتكار لكي نحترم عقل الطفل وندهشه ونثير حفيظته ونشده لكي يرتبط بالمسرح هذا الفن الحضاري المهم والمؤثر، ولهذا أدعو المهتمين بمسرح الأطفال إلى عمل مسرحي طفلي ملهم وخلاق من أجل توطيد العلاقة بين الأطفال وفنون العرض المسرحي من خلال نص مسرحي يتضمن المتعة ومن ثم القيم، وإن اختلف الباحثون حول أولوية المتعة أم القيم إلا أنه يجد أن الجمع بينهما في كل عرض فيه الكثير من الصواب”.

حقل تجريب وبناء

ويخلص الخواجة في الكتاب إلى أنه وعلى الرغم من أن أسلوب العرض المسرحي للكبار هو في جوهره أسلوب مسرح الصغار فإن ميزات وخصوصيات تميز عرض الصغار عن الكبار، وبناءً على ذلك فإن مسرح الأطفال لا يمكن أن يكون حقل تجريب ومن يقرر العمل في مسرح الأطفال لا بد أن يكون مبدعاً ومبتكراً ومثقفاً وعلى معرفة وخبرة ودربة نظرية وعملية لتحقيق أهداف مسرح، ومن ذلك مثلاً التنبه إلى الفئات العمرية ومنطقية الأحداث وفلسفتها سواء ما يتعلق بالنص أم بالمذهب الإخراجي، مع إشارته إلى أن الذي يهب نفسه للعمل في مسرح الأطفال فهو يهب نفسه للتأثير في تطور الإنسانية، والذي يعمل في مسرح الأطفال يمتلك رغبة صادقة ومخلصة كي يخدم الإنسان ويعين الأطفال لبناء شخصيتهم الفاعلة والمؤثرة والمتميزة.
يتـألف الكتاب من عدة أبواب: مسرح الأطفال، ويضم عدة فصول منها: دور المسرح في تنمية الطفل وبناء شخصيته، معمارية النص المسرحي الموجه للأطفال، ويقع الكتاب في 326 صفحة وهو من القطع المتوسط.
يُذكر أن هيثم يحيى الخواجة باحث وكاتب وناقد مسرحي، حائز على دكتواره في فلسفة المسرح، حكم في جوائز ومهرجانات مسرحية وله ما يزيد عن تسعين إصداراً معظمها في المسرح، ونال العديد من الجوائز في سورية وخارجها.