مواضيع ذات صلة

الخيل معقود في نواصيها الخير

هدى بن الغالية

الخيل في المغرب ليست مجرد دواب تُستخدم للركوب أو السباق، بل هي جزء عميق من الذاكرة الثقافية والرمزية للشعب المغربي. منذ قرون، ارتبطت صورة الفارس المغربي بفرسه، لا كوسيلة للحرب فقط، بل كامتداد لروحه وشرفه وعزّته. الفرس في المخيال الشعبي تمثّل النبل والحرية والكرامة، ولهذا لا تخلو أي منطقة في المغرب من حضور رمزي للخيل، سواء في الحياة اليومية، أو في المهرجانات، أو في الفنون الشعبية. من أشهر صور هذا الارتباط نجد “التبوريدة”، أو ما يُعرف بـ”الفانتازيا”، وهي عروض فروسية تقليدية تُقام في المناسبات والمواسم، حيث يتزيّن الفرسان بأزياء تقليدية ويعتلون خيولاً مزينة، وينطلقون في صفٍّ مستقيم، يطلقون البارود في لحظة واحدة، في مشهد يجمع بين الجمال والانضباط والخشوع. هذه العروض ليست مجرد فرجة، بل طقس احتفالي له جذور عميقة في تاريخ المقاومة، إذ تستعيد صورة المحارب المغربي الذي كان يدافع عن أرضه وكرامته ببندقيته وفرسه. الخيل في القرى المغربية أيضًا رمز للهيبة، فالعائلات التي تملك خيولاً تُنظر إليها نظرة احترام، وتُعدّ الخيل أحيانًا جزءًا من “الجهاز” الذي يُقدَّم للعروس في بعض المناطق. في الأسواق الأسبوعية، تُعرض الخيول للبيع كما تُعرض الكنوز، ويعرف الفلاح الجيد قيمة الفرس الأصيل، فيتفاخر بنسبه وسلالته وكأنه يتحدث عن نسب إنسان. أما في الشعر الشعبي، فتُذكر الخيل بكلمات تفيض حبًا وفخرًا، وتُقارن بجمال النساء، أو يُستعان بها للتعبير عن الشجاعة والرجولة والوفاء. وللخيول أنواع وسلالات تختلف حسب المنطقة، لكن أشهرها “الحصان البربري” المعروف بقوته وصبره، وقدرته على التحمل في المسافات الطويلة، وهو الحصان الذي رافق المحاربين والمجاهدين في معارك كثيرة على مر التاريخ. الدولة المغربية اليوم، رغم التغيرات، ما زالت تحافظ على هذا الموروث من خلال تنظيم مسابقات ومواسم سنوية، ودعم مراكز تربية الخيول، وإنشاء مدارس لتعليم الفروسية، خاصة للأطفال والشباب. كما توجد جمعيات كثيرة تحرص على حماية الخيول من الإهمال، وتعمل على نشر ثقافة العناية بها ككائن حساس ورفيق وفيّ، وليس فقط وسيلة. وعلى مستوى السياحة، أصبحت بعض المناطق القروية تعتمد على جولات الخيل لجذب الزوار، ما أعاد الاعتبار لهذا الكائن الجميل من منظور اقتصادي وإنساني. ورغم كل هذه الإشارات الإيجابية، لا يزال الكثير من الخيول، خصوصًا في المدن، يُستَغلّ في العربات بطريقة قاسية، دون رعاية أو تغذية مناسبة، ما يدعو للتفكير في كيفية الجمع بين حفظ التراث وحماية الحيوان في الوقت ذاته. لكن رغم هذه التحديات، تبقى صورة الفرس في الذاكرة المغربية حيّة، تخترق الأغاني الشعبية، والحكايات الشفوية، والجداريات، وأسماء المحلات، وحتى خيال الأطفال. في المغرب، حين تركض الخيل في ساحة التبوريدة، لا تهتزّ الأرض فقط تحت أقدامها، بل يهتزّ معها شعور دفين بالفخر والانتماء. إنها ليست مجرد رياضة، ولا هواية، إنها شكل من أشكال التعبير عن الذات والهوية. وربما لهذا السبب، حين ينظر المغربي إلى فرسه، لا يراها حيوانًا، بل يرى فيها تاريخًا، وشرفًا، وامتدادًا لروحه الحرة.