مواضيع ذات صلة

لماذا يتم اختيار المدرسة التجريدية عند بعد الفنانين التشكيليين

MA5TV الثقافية

يختار عدد من الفنانين التعبير بأسلوب المدرسة التجريدية رغبةً في تجاوز الأشكال التقليدية المرتبطة بتمثيل الواقع، والبحث عن لغة فنية أوسع وأكثر حرية. لا يعني هذا بالضرورة الابتعاد عن الواقع أو إنكاره، بل هو نوع من محاولة فهمه والتعبير عنه بطريقة لا تخضع لقيود الشكل أو التشابه البصري، وإنما عبر اللون والخط والحركة والمساحة.
في الفن التجريدي، لا يكون الهدف تصوير ما تراه العين، بل نقل ما يشعر به القلب ويختلج في الذهن. لهذا يتحول العمل الفني إلى مساحة مفتوحة للتأمل والتجربة، لا مجرد وسيلة لنقل مشهد أو حدث. كثير من الفنانين وجدوا في هذا الأسلوب مجالًا أعمق للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم الداخلية التي يصعب حصرها ضمن الأطر الواقعية.
ظهر التجريد أيضًا كرد فعل على القواعد الصارمة التي فرضتها المدارس الكلاسيكية في الفن، والتي ركزت على التشريح والدقة والمنظور والانضباط الأكاديمي. فقد سعى الفنانون التجريديون إلى التحرر من هذه القوالب الجامدة، والبحث عن طرق جديدة وأكثر ذاتية للتعبير الفني.


ولا يمكن فصل هذا التوجه عن التأثيرات الفكرية والفلسفية التي عرفها القرن العشرون، بما فيها التحولات في علم النفس والنظريات الفلسفية الحديثة. لقد رأى بعض الفنانين أن التجريد يمنحهم وسيلة للغوص في أعماق النفس، والتعبير عن الحالات الذهنية والروحية التي لا يمكن الإمساك بها من خلال الشكل المباشر.
كما أن الفن التجريدي لا يفرض تفسيرًا واحدًا على المتلقي، بل يفتح له المجال ليكون شريكًا في التجربة. اللوحة التجريدية لا تقدّم معنى مغلقًا، بل تتيح لكل مشاهد أن يقرأها بطريقته الخاصة، بحسب ما يحمله من تجارب ورؤى. وهذا ما يجعل الفن التجريدي فنًا تفاعليًا، أقرب إلى التأمل الداخلي منه إلى السرد البصري.
بعض الفنانين، مثل موندريان، حاولوا من خلال التجريد ابتكار لغة بصرية عالمية تقوم على الخطوط والألوان الأساسية، بهدف خلق توازن وتناغم يتجاوز حدود اللغة والثقافة.
ومن أبرز الأمثلة على التعبير القوي في الفن التجريدي، لوحة “التكوين السابع” للفنان الروسي فاسيلي كاندينسكي. هذه اللوحة غنية بالحركة والتباينات اللونية، وتحمل في طياتها رموزًا عميقة تتناول الصراع النفسي والتجدد الداخلي. استخدم فيها كاندينسكي طبقات متعددة من الألوان والخطوط ليخلق إحساسًا بالعاصفة البصرية، لا يمكن تأويله بشكل مباشر، لكنه يترك أثرًا عاطفيًا واضحا
الفنان التجريدي لا يرسم ما نراه بأعيننا، بل يحاول أن يمنحنا نافذة على ما نشعر به أو نفكر فيه. هو لا يسعى إلى تقليد العالم الخارجي، بل إلى إعادة صياغته انطلاقًا من الداخل، من الإحساس والفكرة والرؤية الذاتية. وهنا يتحول الفن إلى تجربة فكرية ووجدانية، لا مجرد وصف بصري للعالم.
المرجع: تاريخ الفن، ومدارسه