بقلم: فاطمة الزهراء سهلاوي
في عالم الأدب والفكر الفلسطيني، يشكل كل من غسان كنفاني ومحمود درويش رمزين بارزين للمقاومة والهوية واللغة. كل منهما اختار طريقه الخاص في التعبير عن معاناة وطنه وشعبه، متحديًا النكبات والمآسي من خلال الكلمة. هذا النص يقدم حوارًا افتراضيًا ويقيم لقاء فكريًا بين هذين الرمزين، من خلال منجزهما الأدبي، حيث يناقشان معا دور اللغة في التعبير عن القضية الفلسطينية، وعلاقتها بالذاكرة والوجود والهوية، وكيف يمكن للكلمة أن تكون جسرًا للصمود والمقومة والنضال.
ان الأفكار المطروحة لهذا الحوار الافتراضي تستند إلى مجموعة من الأعمال والمراجع الهامة لكل من غسان كنفاني ومحمود درويش، والتي تم استحضارها وتوظيفها ضمن سياق النقاش:
بالنسبة لغسان كنفاني، تم الاستناد إلى روايتيه “أرض البرتقال الحزين” و”عائد إلى حيفا”، بالإضافة إلى مقولته الشهيرة حول ارتباط المثقف بقضية شعبه.
أما محمود درويش، فقد استُخدمت نصوص من دواوينه “جدارية” و”ذاكرة للنسيان”، بالإضافة إلى قصيدته الشهيرة “بطاقة هوية”، ومقولاته عن الكتابة باعتبارها كذاكرة حيّة وصرخة داخلية.
غسان كنفاني:
قل لي يا محمود درويش، ماذا تظن بالدور الذي تلعبه الكلمات؟ هل هي كفيلة بالتعبير عمّا لا يُقال؟
وما علاقتها باللغة من أجل إنتاج تعبيرٍ ينقذ وطنًا من النسيان؟
محمود درويش (مبتسمًا):
إنني أستحضر قولًا دونته في “جدارية”، عبّرت فيه أنني “من هناك ولي ذكريات”. اللغة ليست مسارًا ولا وسيلة فقط، بل هي ركيزة الوجود، بيتٌ نحتمي به من الفقد.
غسان كنفاني:
جميل كلامك، لكنني ينتابني شعور مختلف. أن تُصبح اللغة جدارًا آخر! كما ألقيتُ في “أرض البرتقال الحزين” كلمات ذات معنى: كتبتُ لأصرخ، لا لأتجمّل. فاللغة لديّ سلاح، وليست مرآة. كيف نكتب عن فلسطين بالاستعارة، وأطفال المخيمات يحترقون بالحقيقة؟ هذه مفارقة كبيرة! كيف يمكن للّغة أن تكون رسمًا للحقيقة لا مجرد رؤية رمزية؟
محمود درويش:
وأنا في كتاباتي لا أستعمل الاستعارة لأُخفي الدم، بل لأُبقي الحقائق حية في القصيدة، ليشعر بها كل من يسمعها. في “ذاكرة للنسيان”، كتبت عن القهوة تحت القصف، لأعبّر عن أن اللغة هي تفاصيل تنقذنا من التحطم. وهذا جوهر كتابتي، أن يشعر المتلقي بمعاناة الشعب من خلال كلمات ولغة تعبّر عن وجعنا.
غسان كنفاني (باحترام):
ربما، لكنني أرى هذه الإشكالية من جانب آخر، أريد للكتابة أن تكون لغتها صريحة، مثل الرصاصة، وليس فقط تعزية أو مواساة لواقعٍ معاش. في “عائد إلى حيفا”، جعلتُ اللغة مواجهة لا تعزية، وهذا هو المراد من دور اللغة، أن تُطلَق كرصاصة نحو المتلقي.
محمود درويش (يفكّر):
وأنا أقاوم بطريقتي يا غسان، اللغة عندي هي بطاقة هوية، سجّل أنا عربي، ورقم بطاقتي خمسون ألف..
القصيدة عندي صفعة، تتمثل في الإلقاء والتدوين، نُخفيها في الإيقاع، لكنها لا تقلّ عن الحروب الميدانية.
غسان كنفاني:
لكنني أؤمن أن اللغة لا تغني عن الفعل، الكتابة يجب أن تكون رمزًا يحث الناس على العودة، لا وسيلة للتسلية.
محمود درويش:
وأنا أرفض هذا التقسيم الحاد. أنا أكتب لكي لا أنسى، وكي لا ينسى الآخرون. ان اللغة ليست مجرد أداة، بل هي تعبير وذاكرة حيّة، صرخة داخلية تعبّر عن كل إحساس وشعور عاشه صاحب التجربة. وإذا متنا، وبقيت كتاباتنا حية، بلغة صريحة موجهة بإيقاع… ألن يكون هذا نوعًا من الانتصار الذي يخلّد الذاكرة؟
غسان كنفاني: (راضٍ) إننا نحتاج إلى من يكتب الحقيقة مثل الرصاصة، ومن ينقشها كزخرفة في زمن الريح العابر.