مواضيع ذات صلة

غسان كنفاني.. الإعلامي الذي كتب فلسطين بروح روائية

اعداد: أسماء بن سعيد

حين نقرأ روايات غسان كنفاني، لا نقرأ فقط أدبًا فلسطينيًا، بل نقرأ بيانًا إعلاميًا مقاومًا بصيغة فنية. أدهشتني قدرته على تحويل معاناة اللجوء، النكبة، والشتات إلى روايات تنبض بالواقع، وإلى مقالات تؤرخ لقضية شعب دون أن تدّعي الحياد. إنه الكاتب الذي لم يفصل بين الكتابة والخندق.
في رواية “رجال في الشمس”، يحكي كنفاني قصة ثلاثة لاجئين يموتون في خزان شاحنة أثناء محاولتهم العبور إلى الكويت. وعلى الرغم من أن الرواية أدبية، فإنها تقرأ كتحقيق عن واقع الهجرة، عن خيانة القيادات، وعن ثقل الصمت العربي. هذه القصة ليست فقط سردًا، بل تمثل موقفًا إعلاميًا ضد التجاهل، وتدين الجميع بسؤال: “لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟”
في افتتاحيات مجلة “الهدف”، استخدم كنفاني أسلوبًا رمزيًا، مباشرًا، ساخرًا أحيانًا، لكنه دائمًا صادق. تمامًا كما في رواية “عائد إلى حيفا”، التي تساءل فيها عن الهوية، وعن معنى أن يكون الإنسان لاجئًا في وطنه. الرواية تصلح لأن تُقرأ كتقرير وجداني عن آثار النكبة على الفرد والعائلة.

غسان كنفاني لم يكتفِ بنقل الحدث، بل صنع أسئلته. جعل من كل رواية مقالة، ومن كل جملة موقفًا. سواء في “ما تبقى لكم” أو “أم سعد”، تجد ضمير الإعلامي حاضرًا، يسجّل، يستجوب، يحتجّ.
في “أم سعد”، نلتقي بشخصية الأم التي تمثل صوت الطبقات المهمشة. جعل منها كنفاني أيقونة تنطق باسم المخيمات، فكانت بمثابة إعلام بديل، ناطق من الداخل، لا من وراء المكاتب.
من كنفاني نتعلم أن الحياد خيانة حين تكون الحقيقة واضحة. لم يتردّد في فضح التواطؤ، في مساءلة النخبة، وفي الانتصار للبساطة والحق بلغة حية.
غسان كنفاني كتب عن فلسطين، لكنه أيضًا أعاد بناءها بالكلمات. رواياته وثائق تؤرخ لحياة اللاجئين، لحلم العودة، ولصراع الهوية والانتماء. وحتى استشهاده سنة 1972 لم ينهِ مشروعه، بل خلّد اسمه كإعلامي حقيقي: من يحمل قضية، لا من يركض خلف عناوين.
إنها تجربة متجذّرة في الالتزام والوعي والصدق. لقد علّمنا أن الإعلام لا يُمارس فقط خلف الميكروفون، بل يُكتب أيضًا في الخنادق، في المخيم، وفي المنفى.