مواضيع ذات صلة

التبوريدة: من رماد البارود تولد الذاكرة

هيئة التحرير

يعد موسم الخيل من أبرز التظاهرات الشعبية في المغرب، إذ لا يمثل فقط عرضًا فنيًا للفروسية، بل يشكل طقسًا تراثيًا يعكس علاقة الإنسان المغربي بأرضه وتاريخه وهويته. تقام هذه المواسم غالبًا بمناسبة دينية أو احتفال موسمي محلي، حيث تتجمع القبائل من مختلف المناطق في فضاء ترابي واسع، تحيط به الخيام، وتنطلق الاحتفالات وسط أجواء من الحماس والاعتزاز والانتماء.


يُعرف الموسم بعروض التبوريدة، وهي لحظة فرجوية شديدة التنظيم، تصطف فيها السربات وهي مجموعات من الفرسان على خط واحد، ثم تنطلق الخيول دفعة واحدة، وتُختتم الجولة بإطلاق جماعي للبارود في لحظة دقيقة تثير إعجاب الجمهور. يتزين الفارس بلباس تقليدي خاص مزخرف ومهيب، كما تُزيّن الخيول بسروج فاخرة تعكس اهتمامًا كبيرًا بالتفاصيل وجمالية المظهر. ويُعدّ هذا الانسجام بين الفارس وفرسه جزءًا أساسيًا من العرض لا يقل أهمية عن طلقة البارود الموحدة التي تشكل ذروة المشهد.
تحضر في موسم الخيل عناصر متعددة تتجاوز العرض الفروسي، فالساحة تتحول إلى فضاء للحياة، حيث تُقام الأسواق الشعبية، وتُعرض المأكولات المحلية، وتُتداول الصناعات اليدوية، خصوصًا المرتبطة بالخيل كسروج ولجام وملابس تقليدية. وتشكل هذه الأنشطة رافدًا اقتصاديًا مؤقتًا للمنطقة، كما تُحيي الحركة في القرى وتفتح المجال للتواصل بين الناس، وتبادل الخبرات والتقاليد والعلاقات العائلية.
ويتميز الموسم أيضًا بكونه لحظة للاعتراف بالمجهودات الجماعية، حيث يتم تكريم أفضل السربات والفرسان، ليس فقط من حيث المهارة التقنية، بل أيضًا من حيث الالتزام بالتقاليد والجمالية والتنظيم. كما يُرافق الحدث أحيانًا عروض فنية وسهرات موسيقية تنشط فيها الفرق الشعبية المحلية مما يضيف بعدًا ثقافيًا وروحيًا للمناسبة.
مواسم الخيل تظل أحد أبرز تمثلات الثقافة الشعبية المغربية ومجالًا حيًا تتفاعل فيه الذاكرة والتاريخ والواقع، وتُعبر فيه المجتمعات القروية عن فخرها وإرثها بأسلوب راقٍ ومتناغم. ومن رماد البارود ومن وقع سنابك الخيل تولد لحظات لا تُنسى تحفظها الذاكرة الجماعية كرمز للمجد والانتماء.