مواضيع ذات صلة

المسرح في خدمة الكادحين: قراءة في “رجال في العمل”

بقلم: آية الحمري

في إطار فعاليات المهرجان الدولي للمسرح الجامعي، عُرضت مسرحية “رجال في العمل” يوم 13 يوليوز 2025 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، حيث جسدت بإبداع حياة الطبقة العاملة في ظل أنظمة استغلالية غير عادلة.
العرض الركحي والبصري: رمزية الأشياء البسيطة
اعتمد المخرج على سينوغرافيا شديدة البساطة ولكنها كثيفة المعنى :السطل، السلم، المنشفة، الخشب… كلها أدوات من بيئة العمل اليدوي، لكنها تحولت إلى رموز للكدح والتعب والحرمان.
السطول السوداء المقلوبة كانت كراسي، طبولًا، وأحمالًا. هذا الاستخدام متعدد الوظائف يذكرنا بتقنيات المسرح الفقير ل‍ـJerzy Grotowski، حيث يُستثمر الحد الأدنى من الأدوات لإنتاج أقصى تعبير درامي .
المسرح الحركي والتقليد


افتتاحية المسرحية كانت بمثابة مشهد بصري مكثفا :لعمال يتوجهون إلى الخشبة من بين صفوف الجمهور، يقلدون شاحنة إسمنت، يتحركون بحذر و تثاقل، وهنا نجد توظيفًا ذكيًا لمبادئ المسرح الجسدي (Physical Theatre) حيث يصبح الجسد والصوت أداتين أساسيتين للتعبير عن الألم والإجبار، دون الحاجة إلى حوار مباشر.
قضايا الاستغلال
كلمات العامل “لوكا” حول ظروف العمل القاسية، الحلم بكوب قهوة أو موزة ويوغورت ترمز لتجريد الإنسان من أبسط حقوقه.
أما المشهد الذي يجسد فيه العامل الأسود دورين (المدير والعامل)، فيكشف عن تناقض القوة والضعف، ويؤكد أن المسرحية تستلهم روح المسرح التفاعلي/الملحمي لبريخت (Brechtian Theatre)، الذي يفضح آليات القهر ويحث الجمهور على التفكير لا الانغماس العاطفي فقط.
بعد عنصري عميق
إظهار العبارة المكتوبة على جيب العامل الأسود، “Black Lives Matter”، ليس إحالة لحركة اجتماعية فقط أمريكية، بل رسالة كونية عن التمييز الهيكلي في سوق الشغل ضد السود والمهاجرين.
وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية، فإن العمال السود يواجهون نسبًا أعلى من البطالة والاستغلال مقارنة بغيرهم.
البقشيش بين التضامن والعدالة: جدل فلسفي
نقاشهم حول “tipping” كان ذكيًا وفكريًا. المسرحية فتحت سؤالًا فلسفيًا: هل التعاطف الفردي كافٍ؟ أم أن المطلوب هو عدالة بنيوية تشمل كل الطبقات؟
الفكاهة والمأساة: وجهان لعملة واحدة
استخدام لحظات سخرية (مثل مشهد الطبيب والنوم الصحي) يوازن بين الكوميديا السوداء والمأساة الاجتماعية، وهذا ما يميز العروض التي تعتمد الدراما الواقعية ذات الطابع النقدي.
مسرحية “رجال في العمل” هي عمل مسرحي فني واجتماعي عميق، ينتصر للطبقة الكادحة، ويفضح أوجه التمييز والظلم.
نجحت المسرحية في تحريك التعاطف الوجداني لدى الجمهور ، كما أثارت وعي نقدي حول مفاهيم العمل والكرامة والتمييز.
سلاح الطبقة المتحكمة
أحد أبرز ما تكشفه مسرحية “رجال في العمل” هو كيف تمارس الطبقة المتحكمة عنفًا غير مرئي ضد الطبقة العمالية، لا عبر الجهد البدني القاسي فحسب ، بل عبر محو الطموح من أساسه.
حين يصبح حلم العامل مجرد “كوب قهوة”، أو “يوغورت وموزة”، فإننا أمام حالة تدجين نفسي واقتصادي، حيث تُفرَغ الحياة من الأمل، ويُختزل الكفاح في البقاء البيولوجي فقط.
المؤسسة التي تمنع الإجازة الصيفية، والتي ترغم العامل على العمل المتواصل دون نوم، أو تلك التي تراه مجرد ترس في آلة الإنتاج، تُمارس ما وصفه المفكر الفرنسي ميشيل فوكو بـ”السلطة الحيوية” (Biopower)، أي التحكم لا في الجسد فقط، بل في الرغبات، الأحلام، وتصورات العيش الكريم.
في ظل هذه السيطرة، تفقد الطبقة العاملة إيمانها بإمكانية التغيير، وتُقنع بأن ما تعيشه هو “القدر”، وهو ما يحوّل الاستغلال من حالة مؤقتة إلى بنية مستدامة من الإحباط الجماعي.