مواضيع ذات صلة

لحظة مع كتاب “آلام العقل الغربي”

MA5TV الثقافية

“آلام العقل الغربي” كتاب موسوعي يحكي قصة الغرب العقلي والروحي، من أولى الأسئلة الفلسفية حتى أزمة الحداثة. نص يثير التفكير العميق في معنى التقدم والتنوير ومصير الإنسان في حضارة التقنية والعلم لغاية فهم الأفكار التي قامت بصياغة نظرتنا إلى العالم، للمؤلف “ريتشارد تارناس” الترجمة “فاضل جتكر” عدد الصفحات : ٦٣٥ صفحة الناشر، دار العبيكان تاريخ النشر: 2010 الطبعة الاولى ،تاريخ نشر النسخة الاصلية : 1991، يعتبر ريتشارد تارناس: مفكر ومؤرخ فلسفة أمريكي، أستاذ الفلسفة وعلم النفس. عرف بأعماله حول الوعي الغربي، وله كتاب لاحق بعنوان الكون والنفسية Cosmos and Psyche يدعو فيه إلى مصالحة الروح والعقل.
حظي الكتاب بشهرة واسعة جدًا وانتشار أكاديمي وجماهيري معتبر، خصوصًا في الجامعات الأمريكية وأوساط المهتمين بتاريخ الفكر الغربي و بيع منه مئات الآلاف من النسخ منذ صدوره عام 1991
يستعرض ريتشارد تارناس في هذا الكتاب تاريخ الفكر الغربي منذ الإغريق حتى نهاية القرن العشرين، موضحًا كيف تشكّل العقل الغربي الحديث عبر مراحل متعاقبة من الدين والفلسفة والعلم.
يؤكد أن حضارتنا قامت على توتر دائم بين الإيمان والعقل، الذات والموضوع، الحرية واليقين، وأن فهم هذه الرحلة الفكرية ضروري لفهم هويتنا اليوم.
المحاور: الفلسفة اليونانية وبداية الفكر النقدي، يبدأ تارناس بتحليل الفكر اليوناني الكلاسيكي مع سقراط وولادة التفكير النقدي وأخلاقيات الذات ومع أفلاطون، الإيمان بالعالم المثالي الثابت، ومع أرسطو، الانفتاح على الطبيعة والتجريبحيث يبرز كيف كانت الفلسفة اليونانية تأسيسًا للعقلانية الغربية، تم محاورة المسيحية وصياغة الرؤية الكونية الروحية مع دخول المسيحية قلب أوروبا وتمت تغيّير العلاقة بين الإنسان والعالم، لكون الفلسفة المسيحية (أوغسطين وتوما الأكويني) جمعت بين الإيمان والعقل، وأعادت تعريف غاية الحياة والمعرفة، وصولا إلى عصر النهضة والعودة للإنسان أي مرحلة نهضة الاهتمام بالإنسان والطبيعة والجمال والثورة في الفن والعلوم وبزوغ النزعة الإنسانية التي احتفت بالحرية الفردية والتجربة الحسية بفضل الثورة العلمية وصعود العقل المادي مع كوپرنيكوس وغاليليو ونيوتن المرحلة التي تم فيها الانتقال من الكون الرمزي المقدس إلى كون ميكانيكي وبزوغ العقل العلمي الذي أصبح معيار الحقيقة؛ إذ شتّت هذا الاكتشاف الثقة القديمة في النظام الأخلاقي المقدس.
كما يتناول الكتاب التنوير ونقد السلطة الدينية مع فلسفة التنوير والإيمان بالتقدم والحرية والعدالة الكونية مع ديكارت والشك المنهجي وبناء اليقين على الفكر الذاتي. ومع كانط العقل كمصدر للأخلاق والمعرفة والرومانسية والنقد المضاد للعقلانية الصارمة، إذ عاشت البشرية تحية رائجة مع حركة الرومانسية التي ردت على هيمنة العقل بالعودة إلى العاطفة والطبيعة والحدس والاحتفاء بالإبداع والفردية والشعور بالتجاوز الروحي.
وصولا إلى العصر الحديث والشك العميق خلال القرن العشرون الذي شهد أزمة الثقة في العقل والعلم مع نيتشه الذي عاد بنا إلى اليقينيات وولادة إرادة القوة ومع فرويد الذي صرح أن اللاوعي يحكمنا. ومع هايدغر وأزمة الوجود. إذ أن العلم والتقنية منحا القوة لكن زعزعا الإيمان بالمعنى، كل ذلك نحو رؤية جديدة للعالم وبذلك يختم تارناس بالتساؤل: هل يمكن تجاوز الانقسام بين الذات والموضوع؟ يدعو إلى رؤية متكاملة تشمل البعد الروحي والبيئي والإنساني.
المغزى من الكتاب لفهم العالم الحديث وأزماته الفكرية، لا بد من فهم رحلتنا الطويلة من الميثولوجيا إلى العقلانية، ومن الإيمان إلى الشك، ومن وحدة الوجود إلى العزلة الذاتية.