عشنا يوم الإثنين 14 يوليوز 2025، لحظات اليوم الأخير من العروض المسرحية لفعاليات الدور 37 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء للدار البيضاء، واليوم الثلاثاء 15 يوليوز 2025 تستعد البيضاء لاختتام عرس مسرحها الجامعي..
بقلم: آية الحمري
في إطار فعاليات الدورة السابعة والثلاثين للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالدار البيضاء، قدّمت فرقة تونسية مسرحية مؤثرة بعنوان “إليكِ معلمتي”، سافرت فيها بالجمهور من قلب المعاناة الريفية إلى أفق الحلم والمعرفة، من قساوة الطباشير إلى إشراق الرسالة التربوية التي تقود التغيير وتنير الدروب.
الحدث المسرحي: معلّمتان وحقيبتان في الريف
تدور المسرحية حول معلّمتين تُدرّسان في مدرسة ريفية، وسط تضاريس الطبيعة الصعبة والعزلة الاجتماعية. ورغم التحديات اليومية، تستمران في أداء رسالتهما النبيلة، حالمتين بمجتمع يُعلي من شأن التعليم والمعرفة. العرض لا يقتصر على التوثيق أو الاستذكار، بل يقدّم صرخة فنية ضد الإقصاء والتهميش، ويحتفي في الآن ذاته بتلك النماذج النسائية الصامدة.
السينوغرافيا: اقتصاد بصري غني بالرموز
الديكور كان بسيطًا لكنه مشحون بالرمزية: سريران متقابلان: قد يرمزان إلى التكرار والانتظار، وربما الحلم المؤجل.
علاقة ملابس وعليها وزرات بيضاء: استحضار واضح لرمز التعليم والنقاء. مزهرية في المشهد: رمز للأمل والأنوثة المتفتحة رغم قساوة الظروف.
الإضاءة غلب عليها الأصفر الخافت والأزرق البارد، مما أضفى على المشاهد طابعًا تأمليًا يتراوح بين الحنين والحزن.
النص المسرحي: قصيدة تربوية تنزف عشقًا للمعرفة
النص من تأليف نور الدين الورغي، الفنان الذي يعتبر من رموز مسرح الأرض في تونس (تأسس عام 1984)، وقد كتب النص بلغة عامية تونسية مشبعة بالشاعرية، متأثرة بثقافة الشمال الغربي التونسي. النص يتجاوز الخطاب المباشر ليقدّم بنية شعرية تتقاطع فيها اللغة، الرمز، والهوية.
ومن أبرز مقاطع النص المؤثرة:
” Chew your lessons slowly. Let them settle in your stomach like a stew..”
“Raise your eyes to where the heights…”
“The teacher is a candle. And the candle lights up the whole house!”
إنها ليست تعليمات دراسية فقط، بل وصايا للحياة، تقدمها المعلمة كتجسيد للأم، والمُرشد، والمُنقذ أحيانًا.
التعليم … فعل مقاومة
تظهر المسرحية كبيان درامي يرفع من قيمة المعلّم في مجتمعات تُهمّش دوره الفعلي. العرض يُعيد الاعتبار للمدرسة كمؤسسة للتغيير والتنوير، ويربط بين البساطة الشكلية والعمق الرمزي.
كما يذكر الملصق المرافق أن المسرحية “دفاع عن المدرسين في الوسط الريفي، ورفع لقيمة العلم والمعرفة عالياً”، وهو فعلاً ما تجسد في كل حركة، كل نظرة، وكل كلمة نطقت بها الممثلتان على الخشبة.
تحية إلى المعلّمة المجهولة
العمل ككل، كما يقول الملصق، هو:
“عبارة عن تكريم إلى كل معلّمة ريفية تقاوم الوضع، إلى كل معلمة صنعت عليها حتى الموت… إلى التلميذ المجهول.”
بهذا المعنى، “إليكِ معلمتي” لا تُشاهد فقط، بل تُحسّ وتُفهم، لأنها تخاطب ذلك الجزء العميق فينا الذي عرف ذات يوم قسوة الطريق إلى المدرسة، ودفء المعلّمة التي انتظرتنا على الباب بابتسامة رغم التعب.