بقلم: آية الحمري
في قلب الدار البيضاء، ومن اقتراح فاعل لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جدّد خلال شهر يوليوز 2025 موعد ثقافي استثنائي ضخ الحياة في الساحة الفنية ومنح الشباب فرصة للتعبير: المهرجان الدولي للمسرح الجامعي، في دورته السابعة والثلاثين لسنة 2025، المقام بالدار البيضاء، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
كان هناك خلف الأضواء والكواليس، سؤال أعمق يستحق التأمل: كيف يمكن لهذا المهرجان أن يؤثر فعليًا على وعي وسلوك وتطلعات الشباب؟
المسرح الجامعي: تربية فكرية ووجدانية
يتميّز المسرح الجامعي عن غيره من أنواع المسرح بكونه مساحة للبحث الحر والتجريب ويتموضع في منزلة بين المنزلتين لها علاقة بالبحث العلمي والجامعي، ومنفتح على الذات والآخر وعلى المحيط الجغرافي البيضاوي على سعته، بعيدعن هواجس الربح التجاري. وقريب من المختبر الاجتماعي والفني، يُمنح فيه الشباب حرية التفكير والإبداع.
من خلال المشاركة في ورشات ولقاءات المهرجان، يتعلّم الطلبة كيف يطرحون أسئلتهم الوجودية والمجتمعية، ويستمعون لوجهات نظر مغايرة من فرق دولية. يتقاطع المحلي بالعالمي، وتُعاد صياغة الهوية بأسلوب نقدي لا دفاعي، مما يرسّخ لديهم قيمًا مثل الحوار، التسامح، والتفكير المستقل.
المهرجان كجسر ثقافي وتحرير رمزي
من أبرز مزايا هذا المهرجان أنه يشكّل فرصة لـ”التدويل الثقافي” عبر استقبال فرق من أوروبا، آسيا، إفريقيا والعالم العربي. هنا لا يحدث فقط عرض للمسرح، بل تبادل حقيقي للرؤى، يُمكّن الطلبة المغاربة من رؤية ذواتهم من زوايا جديدة وتعطى للآخر بتعدده تعدد الرؤى والثقافات في موعد هو مؤتمر فوق العادة، يمارس ديبلوماسية ثقافية والفنية تقدود باقي الديبلوماسيات، هذا الانفتاح لا يذيب الهوية، بل يعزّزها من خلال المقارنة والتفاعل، وهو بذلك نوع من التحرر الرمزي: تحرر من ضغوط التعليم التقليدي، من ثقل الامتحانات، ومن نمطية المجتمع إذ أنن نتوحد على الخشبة وفي رحابها يتعلم الشباب أنه يستطيع أن يقول “لا”، أن يحتجّ، أن يحلم، دون أن ينتقد أن يعقب أن يقدم وجهة نظره بكل حرية.
منصة لصوت الشباب…
الأهم في كل هذا أن المهرجان يُعطي الشباب حق امتلاك الصوت. في زمن يضجّ بالصخب ولكن يفتقر إلى المعنى، تبدو الخشبة وسيلة لاسترجاع السلطة على الذات، ولإعادة تشكيل العلاقة مع العالم. المشاركات ليست فقط فنية، بل تحمل رؤى نقدية لواقع السياسة، التعليم، الاقتصاد، والهوية. بهذا يصبح المسرح فعلًا مقاومًا، يرفض الاستسلام، ويغذّي الطموح في ظل واقع يستهلكه الإحباط.
الأثر بعيد المدى..
ليست كل مشاركة في المهرجان تنتهي بتوقيع عقد عمل أو شهرة. ولكنها تترك أثرًا لا يُمحى في النفس:
يتعلّم الطالب مهارات العرض والإقناع، يتدرّب على التنظيم والعمل الجماعي، يكتسب ثقة في التعبير أمام جمهور واسع، هو تأثير وتأثر تربوي يمتد إلى ما هو أبعد من المسرح، ليشمل الحياة المهنية والاجتماعية.
المهرجان الدولي للمسرح الجامعي ليس حدثًا سنويًا فحسب، بل تجربة تعليمية وحضارية عميقة. إنه فرصة لبناء جيل ناقد، مثقف، متصالح مع ذاته، وقادر على مواجهة الواقع بخيال جريء وصوت حرّ. ولعلّ هذا هو أعظم ما يمكن أن يقدّمه أي مهرجان: أن يجعل من كل شاب مشروعًا لصانع معنى في عالم يبحث عن المعنى، ومشروع لمواطن بمفهوم كوني.
لهذا يعد المهرجان الدولي للمسرح الجامعي واحدا من أقوى المنصات المسرحية الشبابية في إفريقيا والعالم العربي بل والعالم، ليس فقط كأداة فنية، بل كأداة تربوية وثقافية وفنية وفكرية، وسياسية ناعمة.