مواضيع ذات صلة

لحظة مع كتاب “اللغة والسلطة”

MA5TV الثقافية
كتاب “اللغة والسلطة”، تأليف: نورمان فيركلاف، ترجمة :محمد عناني، الناشر : المركز القومي، تاريخ النشر : 2016، المؤلف نورمان فيركلاف (Norman Fairclough) باحث بريطاني في علم اللغة. أستاذ اللسانيات التطبيقية في جامعة لانكستر. يُعدّ من رواد “تحليل الخطاب النقدي”.ألّف عدة كتب أخرى مثل Discourse and Social Change وCritical Discourse Analysis. ركّز في أعماله على ربط التحليل اللغوي بالسياقات الاجتماعية والسياسية.
يركّز الكتاب على كيفية استخدام اللغة كأداة للهيمنة والسيطرة الاجتماعية، وفي فحوى الكتاب يجادل فيركلاف بأن الخطاب ليس مجرد وسيلة اتصال محايدة، بل هو شكل من أشكال الممارسة الاجتماعية التي تنتج وتعيد إنتاج علاقات السلطة في المؤسسات والمجتمع وبناء عليه يطرح إطارًا تحليليًا لفهم كيف يُستخدم الخطاب في التعليم والسياسة والإعلام لترسيخ أيديولوجيات معينة وتطبيع علاقات القوة.
يُعرّف الخطاب بأنه الاستخدام اللغوي في سياق اجتماعي محدد، ويرى المؤلف أن الخطاب يسهم في تشكيل المواقف والقيم والهويات ويوضّح كيف يتحول إلى أداة غير مرئية للسيطرة، حيث يشرعن العلاقات غير المتكافئة بين الجماعات.
يُعتبر كتاب “اللغة والسلطة” مؤسسًا لاتجاه “تحليل الخطاب النقدي” الذي يمزج بين تحليل النص وتحليل السياق الاجتماعي.
يطرح الكتاب نموذجًا ثلاثي الأبعاد للتحليل:
– تحليل النص نفسه (البنية اللغوية).
– تحليل الممارسة الخطابية (كيفية إنتاج النصوص وتوزيعها).
– تحليل الممارسة الاجتماعية الأوسع (السياق التاريخي والسياسي).
لذا نجد الكتاب، يناقش لغة التعليم: كيف تفرض المدارس خطاب السلطة وتكرّس عدم المساواة الطبقية.
يدرس الخطاب الإعلامي: كيف يُشكّل تمثيل الأحداث والناس بما يخدم مصالح النخبة، ويتناول لغة المؤسسات: كيف تُستخدم مصطلحات محايدة ظاهريًا لتبرير القرارات والسياسات.
ويتطرق الكتاب للغة والأيديولوجيا ويشدّد على أن الأيديولوجيا لا تكمن فقط في الأفكار الصريحة، بل تتسلل إلى القواعد الخطابية اليومية من تم يوضّح كيف يصبح ما هو “طبيعي” و”بديهي” في اللغة انعكاسًا لهيمنة اجتماعية، كما يناقش الكتاب كيف يمكن للوعي النقدي باللغة أن يمكّن الأفراد والمجتمعات من مقاومة الهيمنة وبذلك يقترح تعليمًا لغويًا نقديًا يدرّب الناس على كشف الممارسات الخطابية المهيمنة وتحدّيها.
على المستوى النقدي يعتبر الكتاب علامة تأسيسية لتحليل الخطاب النقدي، وقد أثّر على أجيال من الباحثين في اللسانيات الاجتماعية والعلوم السياسية، وقد أشاد به النقاد لأنه قدّم إطارًا نظريًا صارمًا وتطبيقات عملية واضحة كما انتقده البعض باعتباره يحمّل اللغة وحدها مسؤولية واسعة عن الهيمنة، متجاهلاً العوامل المادية والاقتصادية الأعمق. رغم ذلك، يظلّ كتاب “اللغة والسلطة” مرجعًا أساسيًا في دراسة علاقة اللغة بالسلطة حتى اليوم.
يقدّم اللغة والسلطة طرحًا عميقًا لفهم كيف تُستخدم اللغة اليومية كآلية خفية للحفاظ على السلطة وترسيخ الفوارق الاجتماعية ويُظهر أن الخطاب ليس بريئًا، بل هو ميدان للصراع الرمزي ولإعادة إنتاج الأيديولوجيا، كما يمثل دعوة إلى تطوير وعي نقدي باللغة باعتبارها أداة يمكن أن تسهم في التحرّر إذا جرى تفكيك ممارساتها المهيمنة.