مواضيع ذات صلة

الواقع الصحافي الآن..موقف النقابة الوطنية للصحافة المغربية

MA5TV الثقافية

أزمة الصحافة الوطنية المغربية: هي تكمن في الأشخاص؟ أم في الترسانة القانونية؟
هناك عدة متدخلون في المسألة، واقع تدبير هذا الشأن بين الأشخاص والمجال القانوني والتدبيري، وبين المال العام والمهنية، خلق جدلا كبيرا بالمغرب، وعليه سنقارب المسألة من عدة جوانب..


أصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بلاغا تشخص فيه مجهوداتها القيمة لتقديم مقترحاتها حول تعديل القانون رقم 13-90، والنظام الأساسي للصحافيين المهنيين رقم 13-89. وذلك استجابة لبلاغ الحكومة الذي دعت فيه المهنيين وهيئاتهم التنظيمية إلى تقديم مذكراتهم الاقتراحية في شأن مشروع تعديل القانونين السالفين الذكر، وعرضها على اللجنة المؤقتة.
وبحكم الزمالة التي تجمعنا مع بعض شرفاء هذه النقابة، ورجالاتها الصادقين الأوفياء، الذين ظلوا على العهد ولم يغدروا بزملائهم مهما تغيرت مناصبهم الاجتماعية والمهنية، كنت مطلعا عن قرب على بعض المقترحات القيمة التي أعدتها النقابة في مذكراتها. وهي مقترحات هامة وجادة، تكاد تتقاسمها جميع التنظيمات المهنية والنقابية، لو أخذت بعين الاعتبار لحلت أغلب المشاكل التي يتخبط فيها القطاع. ولكن للأسف عند صدور مشروع قانون المجلس 25-26، اتضح من خلال بيان النقابة الأخير على أن اللجنة المؤقتة لم تأخذ بأهمية هذه المقترحات الجيدة، واكتفت بما يخدم مصالحها. وهذا كان منتظرا، وكان في نفس الوقت خطئا. فماذا كنا ننتظر من لجنة تشكل هي ذاتها أصل أزمة القطاع، وجوهر تردي الصحافة الوطنية؟، وماذا كنا ننتظر من أغيار وخصوم في المهنة تم تنصيبهم حكّاما علينا؟
حقيقة، لم يكن خطأ الحكومة وحدها عندما قامت بتنصيب هذه اللجنة المؤقتة، لتلقي المذكرات الاقتراحية، وإعداد تقرير في الموضوع، وتقديمه لوزير الاتصال، الذي بدوره أعد مشروع قانون بناء على خلاصات تقارير هذه اللجنة. ولكن الخطأ ارتكبته كذلك حتى بعض الهيئات المهنية التي هرولت إلى تقديم مذكراتها إلى هذه اللجنة. والغريب في الأمر، أن أغلب هذه الهيئات قد طعنت عبر بلاغاتها وبياناتها في ثقة ومصداقية اللجنة المؤقتة، وعلى رأسها فدرالية الناشرين التي لطالما طعنت أصلا في قانونية إحداث هذه اللجنة، وفيما تمت فبركته من منعرجات حادة للانقلاب على شرعية إجراء انتخابات المجلس في وقتها. بينما نحن في الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني، وكذلك النقابة الوطنية للإعلام والصحافة، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فطنا لنوايا اللجنة المؤقتة وبسياستها الممنهجة للسطو على مقاعد المجلس وامتلاكه، من خلال إعداد قوانين باسم المهنيين والهيئات تحمي مصالحها وهيمنتها على هذا التنظيم الذاتي للمهنة، الذي يساوي 3 ملايير و200 مليون سنتيم في السنة. ولذلك لم نقدم مذكراتنا الاقتراحية للجنة المؤقتة، واحتفظنا بها إلى حين تقديمها إلى الفرق البرلمانية أثناء مناقشة المقتضيات القانونية المزمع تعديلها. ورفضنا بكل بساطة أن نكون ضحية تناول الثوم بفمنا، وفي نفس الوقت أن نهدر ماء عرق مجهوداتنا في الرمال. وهذا ما تعرض له بعض زملاءنا في الهيئات النقابية والناشرة.
إن ما تضمنه مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة رقم 25-26، من عيوب واجحاف لا يضر بالمهنيين وقطاع الصحافة فقط، والمقاولات الإعلامية ليست هي الخاسر الأكبر، وإنما الضحية هو المواطن والشعب المغربي، والخاسر الأكبر هي الدولة التي لازالت لحد اليوم ترصد الملايير من مال الشعب للنهوض بالإعلام الوطني بوصفه خدمة عمومية. وللأسف لم تفلح في ذلك، معتقدة أن الأزمات تحل بالأموال، في غياب أية استراتيجية محكمة ومضبوطة وحلول منطقية عملية ناجعة. لطالما التجأت الحكومة المغربية إلى حلول ترقيعية وسياسة قطاعية غير مجدية، يحكمها الوازع السياسي والحزبي من جهة، ومن جهة أخرى تطبعها تخوفات وزراء الاتصال من الاصطدام مع بعض المقاولات الإعلامية الكبرى، تفاديا من ملاحقتهم الإعلامية وتبخيس أعمالهم الوزارية والتشويش على صورتهم السياسية. ومن بينهم الوزير الحالي، الذي يخشى الجرائد والمواقع الأكثر انتشارا ومشاهدة، بالرغم من مخالفتها لمبادئ أخلاقيات المهنة وقيم الممارسة المهنية النبيلة. وبالتالي فهو وغيره مضطرون أن يغمضوا عينا ويفتحون أخرى، ويخضعون لمطالب هؤلاء الناشرين الأثرياء وشيوخ الصحافيين المتقاعدين، في ضرب صارخ للكفاءة المهنية وقواعد التمثيلية التعددية والديمقراطية التوافقية، ولمصلحة الوطن والشعب المغربي الفضلى.
إن هذه السياسة الفاشلة للدولة في تدبير قطاع الصحافة الوطنية، وما تعرفه المهنة من انحطاط في الخطاب الصحفي وتدني المحتوى الإعلامي، وما تعج به المواقع الإخبارية من فضائح وانتهاكات للخصوصية ونشر المعلومات المزيفة والإشاعة والكذب، لا تكمن في ضعف محتوى السياسات القطاعية والاستراتيجيات المهنية والمناهج التنظيمية. ذلك أن الدولة قد نجحت في وضع ترسانة من القوانين والتشريعات، تضاهي الدول المتقدمة وعلى رأسها فرنسا التي تعتبر رافدا من روافد التشريع المغربي، كما أن الحكومة المغربية قد نظمت مجموعة من اللقاءات الوطنية والأيام الدراسية والمناظرات العلمية، وكذلك التوجهات والرسائل الملكية ساهمت في التأطير القانوني والتنظيمي والأخلاقي لمهنة الصحافة. وإنما فشل الدولة في سياسة الإعلام نابع أساسا من غياب النوايا الحسنة لدى المهنيين وقلة الكفاءات العلمية المهنية، الذين لم يستطيعوا، سواء عن قصد أو غير قصد، استيعاب هذه الترسانات القانونية والمكتسبات الحقوقية والتوجهات الملكية. حيث منذ أكثر من 30 سنة، والدولة إلى اليوم لازالت تراهن على نفس الأسماء والأشخاص المحسوبين على الإعلام الحزبي الذي تجاوزه الزمن، وتعتمد على أرباب المقاولات الذين لازالوا يستغيثون بمال الشعب ويستثمرون في الريع.
إذ منذ المناظرة الوطنية الأولى المنعقدة في مارس 1993 بالرباط، إلى آخر لقاء دراسي وطني منعقد في دجنبر2022 تحت شعار : الإعلام الوطني والمجتمع؛ تحديات ورهانات المستقبل، والدولة تخاطب ذات الوجوه الإعلامية ونفس أسماء المهنيين الذين أكل الدهر عليهم وشرب. وقد استنفذت معهم جميع المناهج التنظيمية الدولية والتجارب المهنية العالمية للنهوض بالإعلام الوطني، ولم تستطع أن تتخلص من أزمة الخدمة العمومية للصحافة الوطنية. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الفشل ليس في المناهج المهنية والتنظيمية والسياسات العمومية القطاعية، وإنما الفشل الذريع يأتي من تلك الوجوه والأشخاص التي ظلت تعبث بالمهنة، وفشلت على مر هذه السنوات من إيجاد الحلول الناجعة، وتراهم في كل فشل وإخفاق يصطنعون الاعذار والمبررات، ويوزعون التهم والأسباب على كل مناشد للتغيير والإصلاح. بينما هم أصل البلاء الذي أصاب إعلامنا الوطني، وأصل تراجع مهنة الصحافة. وهم لا يرغبون بالإقرار بفشلهم، أو الاعتراف بأن زمنهم قد انتهى، وأن التلفزة بالأسود والأبيض قد ولت، وأن صحافة الحزب وطباعة الورق والاستنسيل والنشر والتوزيع الورقي لم يعد يسمع لها ركزا، أمام زمن العصرنة وصحافة الرقمنة، وإعلام الأنترنيت والروبوت، والنشر والتوزيع الإلكتروني على منصات التواصل الاجتماعي.
إن على الدولة أن تعيد اختياراتها في معالجة إشكالية إعلامنا الوطني، وأن تنقذ المهنة من براثين السياسات البراغماتية والذاتية، وأن تتخلص من شيوخ وعجزة المهنة، ومن الوجوه الفاشلة التي منحت لها طيلة هذه السنين كل الإمكانيات المالية والبشرية واللوجستيكية، ووفرت لها النفوذ والسلطة وجميع الظروف الملاءمة للنهوض بالصحافة الوطنية. وللأسف لم تزيد المشهد الإعلامي إلا ترديا في محتواه، وتشرذما بين هيئاته التنظيمية، وتشوها على مستوى الممارسة المهنية. لاسيما وأن الدولة مقبلة على تحديات كبرى، تتمثل في تطورات قضية وحدتنا الترابية، التي تحتاج إلى إعلام عصري وتقني وعلمي، وليد اليوم وليس الأمس، يواكب التحديات والإنجازات التي حققها المغرب على مستوى الديبلوماسية والسياسات الخارجية. وكذلك تحديات مواكبة الحدث العالمي الذي ستعرفه بلادنا بتنظيم نهائيات كأس العالم. وكل هذه التحديات لا يمكن مواكبتها إلا عبر العصرنة والتشبيب وفتح فرص للشباب، وللمقاولات الناشئة التي ولدت مع هذا التحول التكنولوجي في الاتصال والإعلام الرقمي، وبمجلس وطني للصحافة لا يتشكل إلا من صحافيين مهنيين يتمتعون بالمؤهلات الجامعية، ويمارسون المهنة بشكل منتظم، ويتقاضون أجر شهرية. مجلس لا مكان فيه للشيوخ ولمن أحيل على التقاعد.