مواضيع ذات صلة

حسان عزت، كتب كأنه يعيش القصيدة.. ورحل كما يعيش الشعراء

أمينة عباس – دمشق

ودعت الأوساط الثقافية العربية والسورية أمس الشاعر السوري حسان عزت، المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، وشكّل رحيله خسارة فادحة للمشهد الثقافي العربي الذي أثرته إسهاماته المتباينة لمدة عقود في مقر إقامته بأبوظبي، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا وإعلاميًا غنيًا، سيبقى محفورًا في ذاكرة الأجيال. رحل بعيدًا عن مدينته دمشق، التي كان ينتظر العودة إليها، وكانت آخر وصاياه: “كفّنوني بالماء، الماء وطني”.
نعته “رابطة الكتّاب السوريين”، وهو أحد مؤسسيها والفاعلين في نشاطها الثقافي: “لم يكن مجرد شاعر عابر في المشهد الثقافي السوري، بل كان من أولئك الذين صاغوا شعريتهم من نسيج التجربة الحياتية الخالصة، ومن نبض القلب والذاكرة، وقد تميزت قصيدة عزت بصوتها الخافت والناصع، حيث شكّل الحب، بمعناه الإنساني العميق، موضوعةً راسخةً في مشروعه الشعري، لا كعاطفة شخصية فحسب، بل كقيمة وجودية، وكقوة مقاومة في وجه القبح والعنف والخراب.. رحل ليسدل الستار على رحلة شاعر لطالما كتب كأنه يعيش القصيدة، ورحل كما يعيش الشعراء: صامتًا بصخب داخلي”.


شاعر الورد

يعد حسان عزت أحد أبرز وجوه قصيدة النثر السورية، حيث ارتبط اسمه ببدايات قصيدة النثر منذ السبعينيات، من خلال مشاركته في كرّاسات شعرية صدرت خارج الرقابة، إلى جانب شعراء من جيله، مثل رياض الصالح الحسين، وفرج بيرقدار، وجميل حتمل. وحين وصف نفسه كشاعر قال: “أنا شاعر الأسئلة، أحمل الهاوية، أحمل الرؤى، أطلُّ على شرفات الجحيم، وأغني”، كما أطلق على نفسه لقب شاعر الورد! بعد أن حملت ثلاث مجموعات متتالية مفردة “الورد” عناوين للشاعر: “جناين الورد، مجنون الورد، حواري الورد”.

مسرحة الشعر

له تجارب في مسرحة الشعر وتقديمه مترافقًا مع الغناء والموسيقى، كتجربة “احتفالية للشمس”، تصميم الفنان غسان مسعود، والتي قُدمت على المسرح الدائري بالمعهد العالي للموسيقا عام 1998 برعاية وزارة الثقافة السورية. وحينها بيّن: “لا بد من مسارح جديدة لتقديم الشعر بطرائق وفنيات جديدة، من مسرح وغناء وموسيقا، وفرجة، وهذا ينتمي إلى خصوصية تجربتي التي قدمتها في الشام ومدن أخرى، مسرحة الشعر، وقراءته مع كورال وتوزيع موسيقي”.

الحركة الثالثة للشعر

أطلق حسان عزت في عام 2023 مع مجموعة شعراء وفنانين ومثقفين سوريين وعرب مشروعًا ثقافيًا جديدًا حمل اسم “الحركة الثالثة للشعر العربي الحديث”، وهي حركة ترفد مشروع النهوض السوري والعربي الحضاري في جميع المجالات، وتعمل على تتويجه بالفنون والإبداع الثقافي. وأشار عزت في أحد حواراته إلى أن: “المشروع كان حلمًا، وقد جاء وقت إطلاق الموجة الثالثة من حركة الشعر العربي الحديث لتكون استمرارًا وإحياءً لحركة مجلة “شعر” اللبنانية، وبيان الحداثة الشعرية الأول الذي تلاه الشاعر أنسي الحاج. فبعد الريادة الشعرية الحداثية المجددة الأولى، وأكثر من 60 سنة على الحركة الثانية بعد الحرب العالمية الثانية ونكبة فلسطين، وأمام التحولات الكبرى العاصفة بمنطقتنا العربية، والشرق الأوسط والعالم برمته بزلازل وحروب وهيمنات وإبادات لأوطان وشعوب، ومناخ تغيّر معه كل شيء؛ كان لا بد من ولادة هذه الحركة الجادة في الشعر العربي عبر بيانه الشعري الغاضب، نتيجة الحاجة الماسة لمواصلة حركة الشعر بقوة، أمام تحولات كبرى وافتراقات فاصلة، حيث الشعر بوصلة فنون ووجدان الأمة، ومرآة حضورها أو إبادتها”.
وكان عزت قد لخّص أهداف الحركة بقوله: “نقد وفرز ومتابعة الشعر المبدع عن سواه جماليًا ونقديًا، ورفد مواهب جديدة، ومكافحة ظواهر الغثاثة والتسطيح، وركامات (اللامواهب) التي طفت على السطح وهزّلت المشهد، وأساءت إلى الشعر فنًا، وإلى العربية لغة، والدفاع عن الإنسان العربي الغارق في طوفان مشكلات الإبادة والتهميش، وتحديات عصر العولمة وتفريغ البشر من إنسانيتهم، وإعادة النظر بكل مسيرة الشعر العربي، ومآلات إبداعه، وتجدده وحضوره، وجعله زينة بعدما كان وجدانًا وحضارة وهوية، وفي رأس هرم الاعتزاز، والتمثل، والازدهار الثقافي والفني”.

كلّ شعر ذاتي لا يُعوّل عليه

وانطلاقًا من إيمانه أن لا شعر أو فن إلا بجدل بين خاص وعام، في قراءات فاردة وفارقة وناقدة، وَمن ينفض يده وهمّه عن العام، خاطب الشاعر المغرّب عن محيطه قائلاً: “من أنتَ أيها الشاعر الكاسد المريض، المعزول، المغترب، والمغرّب عن محيطك ووسطك، إلا شلّة صغيرة تطبطب لك، وتقنعك أنك أعظم شاعر في الوجود”، متسائلًا أيضًا: “ماذا إذا بقينا كلٌ يكتبُ الشّعرَ على شاكلته ومقاسه الفردي، ونموذجه الصنمي المقدس، وفلسفته الواحدية؟ فلا ننتظر ماء سماء للشّعر ولا للفن. ولا يعني ذلك إلا فقدان البوصلة بين الخاص والعام، وكلّ شعر ذاتي لا يمسّ العام بمشتركه الجمعي الأكبر ومفترقه الأصغر، والذي لا يمس المجتمعات والأمم في أحوالها، آلامها، آمالها، وجدانها، وقيم جمالياتها، وذوقها، وبواطن وجدانها العام باستعداداته وقابلياته المفتوحة؛ هو شعرٌ لا يجب التوقف عنده، لا يُعوّل عليه”.
وكان حسان عزت يرى أنه لا يكفي أن يكون الشاعر أو الفنان شاعرًا أو فنانًا فقط في ظل الفوضى، وهجوم ثقافة الرقميات ضد حضارة العمران والكلمة، التي هي في أساس حضارات الشعوب ونهوضها، ولا يكفي أن يكون الشاعر أو الفنان مجددًا في فنه، بل أن يكون نبيًا مسلحًا برؤيا إنسانية وحضارية وديمقراطية، وفلسفة عليا لكرامة الإنسان والحرية والفن.
لذلك، قسّم عزت الشعراء إلى طبقات، وبيّن أن الطبقة الأولى هم الذين لهم مشروع إبداع وابتكار فني وشعري، والذين يعبرون عن تطلعات نهوض حضاري وكياني ووجودي وعلمي وإنساني وعمراني: “وهم في ضمير أمة، لم يمدحوا طاغية، ولم يرتزقوا من أحد، ومثالهم: نزار قباني، محمود درويش، محمود السيد، بدر شاكر السياب.. هؤلاء الشعراء لم يندرجوا في قطريات، ولا طوائف، ولا قومجيات نابحة أو قادحة.. ولم يجيّشوا في أطر الإثنيات القادحة”.

سيرة مختصرة

حسان عزت شاعرٌ وناقد وصحفي سوري معاصر، من مواليد مدينة دمشق 1949، استقر في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات. عمل في الصحافة الثقافية والأدبية السورية، وساهم في تأسيس عدد من المجلات الثقافية والأدبية الإماراتية، وساهم في تأسيس صحيفة “أخبار العرب” الإماراتية، ورأس قسمي الثقافة والمنوّعات فيها، وساهم في تأسيس بيت الشعر في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات ـ فرع أبوظبي. كان عضوًا في العديد من لجان التحكيم والمنتديات.
من أعماله الشعرية: شجر الغيلان في البحث عن قمر، تجليات حسان عزت، زمهرير، سباعية خلق.