MA5TV الثقافية
كتاب “عقول مُتشكِّكة: لماذا نُصدِّق نظريات المؤامرة”، تأليف : روب براذرتون، ترجمة هاني فتحي سليمان، الناشر مؤسسة هنداوي، تاريخ النشر : 2017، المؤلف “روب بروذرتون” عالم نفس ومؤلف متخصص في الإدراك والانحيازات المعرفية، أجرى أبحاثًا أكاديمية حول التفكير المؤامراتي، حصل على الدكتوراه من جامعة غولدسميث في لندن، له مساهمات عديدة في الصحافة العلمية والتوعية النفسية.
يسعى الكتاب إلى تفسير لماذا ينجذب الناس لنظريات المؤامرة من منظور علم النفس المعرفي، لا السياسي أو الأخلاقي، “عقول مُتشكِّكة” هو دراسة نفسية جذابة عن “عقولنا المرتابة”، يقدّم تفسيرًا إنسانيًا وغير تبخيسي لواحدة من أكثر الظواهر شيوعًا في عالمنا الرقمي المعاصر.
نظريات المؤامرة ليست شذوذًا، بل تعكس حاجة بشرية عميقة لفهم العالم والشعور بالأمان.
مواجهتها تتطلب إصلاح الثقة في المؤسسات، وتحسين التعليم، وتقديم سرديات بديلة مقنعة.
الكتاب لا يدين المؤمنين بالمؤامرة، بل يدعو إلى فهم الطبيعة البشرية العميقة التي تجعلنا عُرضة لتصديقها.
وهو تحذير بأن مناعة المجتمعات ضد التفكير المؤامراتي تتطلب وعيًا نقديًا وتواضعًا معرفيًا، يؤكد بروذرتون أن الميل لتصديق المؤامرات جزء طبيعي من تفكير الإنسان، نابع من طريقة عمل أدمغتنا وليس فقط من الجهل أو الجنون، من الأفكار الرئيسية للكتاب ما يلي:
1. نظريات المؤامرة كاستجابة نفسية طبيعية: يرى براذرتن أن الميل إلى تصديق المؤامرات ليس علامة على الغباء أو المرض النفسي، بل هو نتاج آليات عقلية تطورية تساعد البشر على تفسير الأحداث الغامضة.
لكون العقل البشري مجبول على، رؤية الأنماط (حتى في الفوضى)، تجنُّب الشعور بالعجز (المؤامرة تمنح وهم السيطرة) والانحياز لتأكيد الذات (نصدق ما يتوافق مع معتقداتنا المسبقة).
2. العوامل الاجتماعية لنظريات المؤامرة: لأنه في حالة الانتماء الجماعي تصبح المؤامرات جزءً من هوية المجموعات (مثل: “نحن الأذكياء الذين كشفوا الحقيقة”) وهنا يكون فقدان الثقة في المؤسسات، عندما تتراجع ثقة الناس في الحكومات أو الإعلام، يبحثون عن تفسيرات بديلة ويكون التفاوت الاجتماعي في المجتمعات غير العادلة تزيد شعور الناس بأن “السلطة تخفي شيئًا”.
3. لماذا تنتشر النظريات بسرعة؟ مثل السرديات الجذابة لأن المؤامرات تقدم قصصًا بسيطة (أبطال وأشرار) بدلًا من تعقيد الواقع والتأثير العاطفي جراء الأخبار المثيرة للخوف أو الغضب التي تنتشر أسرع (مثل: “الحكومة تخدعكم!”) وتأثير الإنترنت وما تقدمه وسائل التواصل التي تعزز “غرف الصّدى” حيث يتعزز الإيمان بالمؤامرة دون معارضة.
4. خطورة نظريات المؤامرة، والتي نواجه بها تقسيم المجتمع، مثل إنكار التغير المناخي أو رفض اللقاحات، وشرعية العنف؛ لذا فبعض المؤمنين بالمؤامرات قد يتحولون إلى تهديد (مثل هجوم كابيتول أمريكا 2021)، وهنا نستحضر انهيار الحقيقة الموضوعية، عندما يُصدّق الجميع “حقائقهم” الخاصة.
5. كيف نتعامل مع المؤمنين بالمؤامرات؟ أولا عدم السخرية وهذا يدفعهم للتمسك بمعتقداتهم أكثر ثانيا، الاستماع والتعاطف وفهم دوافعهم (خوف، غضب، شعور بالتهميش) ثالثا،تعزيز التفكير النقدي بتعلم مهارات تحليل المصادر بدلًا من مهاجمة المعتقدات مباشرة، وللإشارة فنظريات المؤامرة ليست استثناءً.
يبدأ المؤلف تحليله في كتاب بتفكيك الفكرة الشائعة بأن المؤمنين بنظريات المؤامرة “غريبو الأطوار” أو “شاذّون”.
يوضّح المؤلف في كتاب “عقول مُتشكِّكة: لماذا نُصدِّق نظريات المؤامرة” أن التفكير المؤامراتي منتشر جدًا ويشمل حتى المتعلمين والمثقفين، وله ارتباط بجذور نفسية معرفية من تم يناقش كيف تميل أدمغتنا إلى رؤية الأنماط حتى عندما لا تكون موجودة حيث أنه لدينا ميل فطري للربط بين الأحداث والبحث عن نية خلفها، وهو ما يجعل الروايات المؤامراتية جذابة وفرضية الشك أمام سؤال إشكالي هل هو: فضيلة أم مرض؟ ويبيّن أن قليلًا من الشك صحي ومطلوب، لكن نظريات المؤامرة تبالغ فيه إلى درجة اللايقين الشامل تجاه كل السلطات، ويوصف هذا الأمر بـ”الشك المُطلق” الذي يؤدي إلى العزلة والتشكيك في كل شيء.
يشير المؤلف أن الدماغ يبحث عن سردية، يشرح فيها كيف يحب العقل البشري القصص التي تربط كل شيء معًا، وأن نظريات المؤامرة تُرضي هذا الميل لأنها تُقدم تفسيرًا شاملًا ومتكاملًا حتى لأكثر الأحداث تعقيدًا، كما أن الذاكرة والانحيازات الإدراكية تستعرض كيف تعمل الذاكرة بشكل انتقائي لتأكيد ما نؤمن به أصلًا (التحيز التأكيدي). ويبين المؤلف أن نظريات المؤامرة تُبنى على معلومات جزئية ونقاط غامضة تُضخَّم وتُعاد تفسيرها.
لم يهمل المؤلف علاقة المؤامرة بالتكنولوجيا وانتشارها بفضله، كما يُحلل كيف أسهم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في تسريع وانتشار هذه النظريات لكنّه يُشدد أن ظاهرة المؤامرة ليست جديدة؛ ووضع المؤلف سؤال استفساري يدعوا للتحليل: هل كل المؤامرات زائفة؟ وبذلك يقرّ بروذرتون بأن بعض المؤامرات حقيقية (مثل ووترغيت)، لكنه يحذر من الخلط بين الحذر المنطقي والهوس المرضي.