يواصل شيخ الاحتفالية، د. عبد الكريم برشيد، حفرياته ونبشه وتأريخه، ونواصل النشر، شاكرين له ترخيصه لنا بذلك:
MA5TV الثقافية
فعل الخلق ومبدا الحرية: وهذه الاحتفالية، بكل علومها وآدابها وفنونها وكل صناعاتها، فهي بالتاكيد اختيار صعب، ولقد اختارت في المسرح فكره، واختارت فيه چرأته، واختارت فيه حواره الديمقراطي، و اختارت فيه فعل التلاقي وفعل المشاركة وفعل الاقتسام وفعل التفكير المجسد في اجساد و المشخص والمشخص في اشخاص وشخصيات
وبالإضافة إلى كل هذا، فقد كان ضروريا أن يكون هذا المسرح الاحتفالي عاقلا ومفكرا، وأن يكون صداميا وجريئا، وأن يكون واثقا في اختياراته، وأن يكون معتدا بنفسه وبإنجازاته، وأن يكون مؤمنا بالمستقبل، وأن يكون حرا ومستقلا في فكره وفنه وفي علمه وفقهه وبلاغته، وأن يكون منحازا للغاته وثقافته، وأن يكون أصيلا ومعاصرا في نفس الوقت، وأن يكون ثابتا في مواقفه الفكرية والساسية والأخلاقية، ولعل أخطر قيمة آمن بها بها الاحتفاليون، وتمسكوا بها، ودافعوا عنها، أكثر من غيرها، هي قيمة الحرية، وذلك شيء طبيعي ومنطقي جدا، وذلك بحكم أنهم ينتمون إلى جيل ولد وتربى في زمن الاستعمار، وأن احتفاليتهم لا يمكن أن يكون لها أي معنى بدون الحرية والاستقلالية، ولقد حدث كل هذا في زمن كان المسرح فيه ـ مغربيا و عربيا ـ مجرد حرفة، وكان المسرحيون فيه مجرد حرفيين ومهنيين، في الوقت الذي كان هذا المسرح في العالم صناعة ثقيلة و مركبة و دقيقة، وكان أيضا معرفة وعلما، وكان منظومة علوم، وكان منظومة فنون، وكان منظومة بلاغات وجماليات، وكان فكرا أيضا، وكان تيارات مسرحية قائمة على نظريات وفرضيات علمية جديدة ( التحليل النفسي عند فرويد ـ ونظرية النشوء و.الارتقاء عند داروين و النسبية الفزيائية عند إينشتاين و المادية العلمية عند ماركس) كما كان تيارات و مدارس مسرحية مبنية على أسس فلسفية جديدة وزاضحة ( الرمزية ـ التعبيرية ـ الوجودية ـ الواقعية الطبيعية ـ الواقعية الاشتراكية ـ العبثية ـ الدائداية ـ السوريالية ـ المستقبيلىة ) ومنذ بيانها الأول، أكدت جماعة المسرح الاحتفالي على أن الاحتفالية ليست مجرد شكل مسرحي قائم على اسس وتقنيات فنية مغايرة ( بل هي بالأساس فلسفة تحمل تصورا جديدا للوجود والإنسان والتاريخ والفن والاداب والسياسة والصراع) البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي – مراكش سنة 1979
وما كان يهم الاحتفالية دائما، ليس هو المعرفة، في حدود الاختصاص العلمي الضيق و المحدود، ولكنها الحكمة في امتداداتها وتداعياتها المطلقة واللامحدودة، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي ( ينقل ابن عبد ربه في كتابه (العقد الفريد) عن ابن قتيبة قوله (من أراد أن يكون عالما فليطلب فنا واحدا، ومن أراد أن يكون أديبا فليتفنن أو فليتوسع في العلوم، وهذا شيء يدل على أن الفنان أوسع آفاقا من العالم، وأن المثقف أرحب معرفة من العالم في السياسة وحدها، أما محترفها وممتهنها فلا حديث عنه) هذا ما كتبه الاحتفالي في كتابه ( المؤذنون في مالطة) كتاب الجيب
وهذا هو الحال بالنسبة للاحتفايين، وهو أن يعرفوا كل شيء، وأن يحيطوا علما وفهما بكل ثقافات وعلوم وفنون و آداب العصر، وألا يغفلوا عن أي شيء فيها، مهما كان صغيرا وبسيطا جدا
وهذه الاحتفالية قائمة أساسا على فعل التلاقي، ولهذا التلاقي عندها معنى التكامل، ومعنى التصادم أيضا، وما يميز هذا التصادم الفكري أنه يعني الحوار، ويفيد الجدل، من غير أن يعني التنافي، وتميز هذه الاحتفالية بين التلاقي والتلقي، خصوصا عندما يكون للتلقي معنى التلقين ( وأن يكون احد الطرفين فيه فاعلا، ومؤثرا، و مبدعا، ومغيرا، و مصدرا، و مخططا، وأن يقتصر دور الطرف الثاني على التفرج والتأثر، وعلى الاستهلاك واستيراد الجاهز والمعلب والمفبرك؛ المفبرك في الثقافة والفن والفكر والسياسة والاقتصاد، وأن يكون هذا الإنسان ـ الذي ضيع إنسانيته ـ أرقاما بلا دلالة) جاء هذا في كتاب (الاحتفالية و هزات العصر) منتدى الفن والثقافة – الدار البيضاء