مواضيع ذات صلة

علاقة صناع السينما بالنقاد، هيتشكوك وتروفو نمودجا

صيد الفيس بوك/MA5TV الثقافية

عبر تاريخ الفنون، لم تخلُ علاقة المبدعين والنقاد من تجاذبات إيجابية مثمرة أحيانا، أو سلبية عاصفة أحيانا أخرى. وفي مجال السينما لا يمكننا تصوّر صناعة سينمائية متكاملة دون وجود حركة نقدية، أو حَراك نقدي على الأقل، يُتوقع منه أن يثري ويؤثر ويضيف إلى صناعة الأفلام؛ بإضاءة الجماليات، وتحليل التقنيات، والمقاربة والقراءة والتأويل التي تفضي إلى إعادة إنتاج الأفلام السينمائية عبر نصوص نقدية تتكئ على عمق في الرؤية، ورسوخ في أدوات الصناعة السينمائية بكافة جوانبها، حينها تتشكل علاقة مبنية على مفاهيم القبول والاعتراف والحوار المعرفي؛ علاقة يكون فيها الناقد مشاركًا – عبر التأويل البصير – في رفْد المنتج الإبداعي وخلْق نسخ متعددة من الفيلم، ويكون المخرج أو الصانع منفتحًا على الخطاب النقدي عبر التفاعل الحواري الموضوعي!
من التفاعلات الخالدة هذا السياق تلك العلاقة السينمائية الخلّاقة التي نشأت بين المخرج الأمريكي الشهير ألفريد هتشكوك وفرانسوا تروفو المخرج السينمائي الفرنسي الشهير أيضا؛ الذي بدأ مسيرته في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي كاتبًا في الصحافة السينمائية الفرنسية عبر مجلة كراسات السينما، التي قدّم عبرها مقالات جريئة تنتقد السينما الفرنسية الكلاسيكية، وتصفها بأنها “أدبيّة ومتكلّفة وتعتمد على اقتباس الروايات”.
كتب تروفو عدة مقالات عن هتشكوك وأفلامه؛ هذا المخرج الذي كان يُنظر إليه في الخمسينيات أنه مخرج أفلام تجارية وإثارة وتشويق فحسب، دون أن يلتفت أحد إلى عمق إبداعه بوصفه مخرِجًا ومفكّرًا، صاحب رؤية وخطاب سينمائي مستقل ومختلف، وهو ما حدا بتروفو أن يرتّب مقابلة مع هتشكوك، استمرت ثمانية أيام، وامتدت على خمسين ساعة مسجلة، اعتمد عليها تروفو عام 1966م في تأليف كتابه الشهير (هتشكوك/تروفو) صنفته مجلة The New Yorker ثاني أهم كتاب في السينما!
برغم ميول تروفو للسينما التي تقدم موضوعات وقصصًا مميزة، إلا أنه إلى جانب ذلك فنان حِرفيّ يحتفي بدقة التقنيات السينمائية وعملياتها، فعمد في حواراته مع هتشكوك إلى تفكيك عديد التقنيات وطرائق توظيفها ودلالاتها وغاياتها ووجهات نظر هتشكوك في اختياراته المقصودة عبر أفلامه، وناقش معه كل تلك الجوانب بعيدا عن التبجيل أو الاحتفاء.
ولأن الحوار دار بين ناقدٍ بصير بالصناعة، وصانعٍ ذي رؤية عبقرية متسامية؛ فقد أصبح هذا الكتاب بمثابة مانيفستو سينمائي للتاريخ، يقدم السينما كما يجب أن تكون ضمن سياق الفنون في العالم، وكما يجب أن يتم تلقيها والتعاطي معها. كما أعاد هذا الكتاب الاعتبار إلى هتشكوك، وآليات تلقي أعماله والنظر إليه بوصفه مخرجًا عبقريا وأيقونة سينمائية.
امتدّ أثر كتاب (هتشكوك/ تروفو) إلى يومنا هذا؛ إذ أصبح مرجعا تقنيا وفكريا في السينما العالمية، تأثر به كبار صنّاع الأفلام في العالم، وكبار النقّاد أيضًا!
مثل هذه العلاقة الخلّاقة، هي ما نطمح أن يتولّد بين صُنّاع السينما ونُقّادها العرب.