حول الكتاب الموسوم(يوسف العاني وريادة المونودراما) تأليف أخي الباحث أ.د. عامر صباح المرزوك، وهو من إصدارات مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما 2025، المقالة منشورة في صحيفة الصباح/ملحق “الصباح الثقافي” الأسبوعي بعدده 6211، والكتاب يُثَبِتْ ريادة “العاني” العربية للمونودراما عبرَ تأليفهِ مونودراما (مجنون يتحدى القدر) كأول نص مونودراما عربي مُعاصر، وهذا نص المقالة، للدكتور بشار عليوي، أكاديمي وكاتب عراقي:
د. بشار عليوي
لا يمكن لأي باحث أن يكتب عن التطور الدرامي في المسرح العراقي والعربي دون أن يتوقف عند تجربة الفنان المسرحي العراقي الكبير الراحليوسف العاني، وذلك لأنه مجدد فيها مع تأمل ملامح هذه التجربة التي سار فيها بشكل تطوري،خصوصًا ريادته للمونودراما وكتابته أول نص مونودرامي عربي متكامل في نهاية الاربعينيات من القرن المنصرم، في وقت لم يعرف العرب هذا النوع من المسرح، خاصة أن هذه التجربة تحمل خصوصيتها كموضوع واشتغال فني وفكري، وللأسف أن هذه التجربة الرائدة لم يتم تناولها في الدراسات التاريخية والنقدية والتوثيقية التي اهتمت بالمسرح العربي لأن “العاني” يُعد رائداً للمونودراما عربياً.
وتكريساً لهذهِ الريادة والتجربة المسرحية الثرية فقد صدرَ حديثاً للباحث العراقي الأستاذ الدكتور عامر صباح المرزوك، وضمن إصدارات الدورة الحادية عشر من مهرجان الفجيرة للمونودراما 2025 كتاب (يوسف العاني وريادة المونودراما) ويقع في 120 صفحة بالقطع الوزيري,اذ تضمن عدة محاور أهمها دراسة عامة حول نشأة ومفهوم المونودراما وكذلك استعراضاً لحياة الفنان يوسف العاني , ودراسات متنوعة حول مسرح العاني وتحولات الكتابة لديهِ
يُشير المؤلف الى أن “العاني” قد إعتلى خشبة المسرح لأول مرة يوم الخميس الموافق 24/2/1944م، ومَثَّل حينئذ شخصية (يوسف الطحان) في مسرحية (القمرجية) على مسرح المدرسة الثانوية المركزية التي كان طالبًا في الصف الرابع الثانوي فيها، ومن يومها شُغِفَ (العاني) بالمسرح ممثلاً في بداية الأمر حتى ولج إلى عالم التأليف المسرحي بمسرحيات بسيطة لا يمكن عدها نصوصًا مسرحية ناضجة، ويمكننا أن نسجل مسرحية (مجنون يتحدى القدر) كأول مسرحية ناضجة تمثل البداية الحقيقية لمسرح (يوسف العاني) والتي سيدرسها المؤلف في هذا الفصل, فيما كتب “يوسف العاني:مونودراما (مجنون يتحدى القدر) عام1949,وتتضمن هذه المونودراما شخصية واحدة متواجدة على المسرح بشكل مرئي، وهي شخصية المجنون، بينما يسمع صوتًا يحاوره بين الحين والآخر، ألا وهو صوت القدر الذي يعكس الكاتب من خلاله هواجس البطل وما بداخله وأسراره الدفينة بشكل مونودرامي، ويبقى هذا (القدر) مجرد صوت نسمعه فقط, وموضوع النص مشتت وغير واضح المعالم سوى بعض ما يشير إليه “العاني” من معلومات على لسان الشخصية في افتتاحية النص (رجل يُفقده الموت ولده وزوجته وصديقًا عزيزًا عليه)، فيما يهمل “العاني” تفاصيل الحكاية، فليست هنا على قدر من الأهمية، وقد ترتب على ما حدث للبطل من نتائج نفسية أحالته إلى إنسان معذب ومحبط يشعر بالوحدة في غياب أحبائه وأعزائه، ويشعر برغبة في تعنيف من يمكن تحميله مسؤولية ما وصل إليه, وهذا ما نتلمسه من خلال الصوت الذي يتوهم سماعه، ويعد هذا الصوت بمثابة صوته الداخلي الذي يعكس اضطرابه النفسي، كما يمثل هذا الصوتُ الصوتَ الدرامي الآخر للذات المنشطرة، أو هو الأصوات المتصارعة والمتضاربة نتيجةً ذلك التخلخل الذي حدث في النفس المضطربة التي فقدت اتزانها السيكولوجي الطبيعي.
ولعلَ أبرز ما تضمنهُ الكتاب بشكل عام هو ما يلي:
* تأكيد ريادة “العاني” العربية للمونودراما عبرَ تأليف مونودراما (مجنون يتحدى القدر) أول نص مونودراما عربي في 19/6/1949م وقدمت على مسرح معهد الفنون الجميلة في بغداد يوم الجمعة الموافق 3/3/1950م من قبل جمعية جبر الخواطر بكلية الحقوق في بغداد، وقد تولى إخراجها الفنان خليل شوقي, وقام بتمثيل دور المجنون الفنان (يوسف العاني).
* هذا النص هوَ أول نص مونودرامي عربي متكامل كُتبّ وقُدِمَ في وقت لم يعرف العرب هذا النوع من المسرح، خاصة أن هذه التجربة تحمل خصوصيتها كموضوع واشتغال فني وفكري.
* لم يتناول هذه التجربة الرائدة بشكل وافٍ في الدراسات التاريخية والنقدية والتوثيقية التي اهتمت بالمسرح العربي.
* عَمِدَ مؤلف الكتاب الى فض الاشتباك فيما يخص تجربة الفنانة المصرية الرائدة (فاطمة رشدي) بوصفها من التجارب الريادية المُمهدة للوصول إلى الشكل المونودرامي العربي الذي نعرفه اليوم, ولكن ليس لها الريادة في هذا.
* تبقى تجربة الفنان “يوسف العاني” هي التجربة الريادية العربية في المونودراما كنصٍ وعرضٍ متكاملٍ من حيث المقومات والبناء والفكرة، اذ تبقى مسألة الريادة بحاجة إلى دراسات عميقة في الوقوف على طبيعة هذه الأعمال، وليس على شكلها الخارجي فقط.
هذا كتاب يُكرس الريادة العربية في المونودراما للفنان ” يوسف العاني وهي ريادة لتجربة مميزة وفريدة لأنها تحمل في طياتها الخصوية لاسيما ان هذه التجربة تعدت الستين عاماً بين التمثيل والتأليف والكتابة النقدية والصحفية والإدارة المسرحية الناجحة، فكانت خير برهان لرجل نذر نفسه خدمة للمسرح العربي والعراقي, وهو جُهد حثيث ونبيل يُكمل الجهود المعرفية للدكتور عامر صباح المرزوك عبرَ سلسلة مؤلفاتهِ العديدة.
صيد الفيس بوك لحظة مع كتاب “يوسف العاني وريادة المونودراما”
