مواضيع ذات صلة

مع مسرح العبث، شخصيتان عبثيتان من زمنين مختلفين

MA5TV الثقافية

ستون عاماً هي فترة كبيرة بين ظهور شخصيتين خالدتين من شخصيات مسرح العبث هما كما ظهر في عنوان المقال..
أولاهما شخصية “الملكة هيبي” من مسرحية “الملك أوبو” أو “أوبو الملك” أو “أوبو ملِكاً” التي قدّمها الكاتب المسرحي الكبير “ألفريد جاري” لأول مرة في في مسرح أوفري/باريس، وتسببت برد فعل عنيف من الجمهور حيث افتتحت وأغلقت في (10 ديسمبر 1896).
وثانيهما شخصية العاهرة “إيرنا” من مسرحية “الشرفة” للكاتب المسرحي العبثي “جان جينيه” التي ظهرت عام (1956).
تعتبر كلا المسرحيتين جامحتين بشكلٍ كبير، غريبتين، ومهمّتين، بسبب الطريقة التي تقلبان بها القواعد والأعراف الثقافية.
من بين من حضروا ليلة عرض الملك أوبو ليشهدوا رد الفعل، الكاتب “ويليام بتلر ييتس”، الذي قال أنها حدث ذو أهمية ثورية. وينظر إليها الآن بأنها فتحت الباب أمام ما يعرف باسم أدب الحداثة في القرن العشرين. وكانت مقدمة للحركات الدادائية والسريالية ومسرح العبث. وتعتبر هذه المسرحية أول ثلاث مسرحيات يسخر فيها جاري من السلطة، والجشع، والممارسات (((صفحة مسرح العبث))) الشريرة، وبخاصة ميل البرجوازية لإساءة استخدام السلطة التي يولدها النجاح.
بينما كانت مسرحية الشرفة لجان جينيه متأثرة بنظريات مسرح القسوة للمنظّر والكاتب المسرحي “أنتونين أرتو”، التي ولّدت فيما بعد مسرح اللامعقول، او مسرح العبث الذي يُنسَبُ اسمه للسيد “مارتن ايسلين” الكاتب والناقد المسرحي البريطاني الكبير.
بالعودة إلى الشخصيتين فإن كلاهما تعدّان شخصيتين نسائيتين مغريتين، من المهم ملاحظة أنهما تخدمان أغراضاً مختلفة وتنقلان موضوعات مختلفة في مسرحيتي كلٍ منهما. جامعهما الوحيد هو الإيروتيكية ، التي يفرضها الدور في مساحة الشخصية ضمن المسرحية.
تم تصوير الملكة هيبي زوجة الملك أوبو، على أنها شخصية استفزازية ومغرية جنسياً. ومع ذلك ، فإن إغرائها مبالغ فيه يصلُ حدّ السّخف ، كما هو الحال مع النغمة العامة للمسرحية نفسها. هدف خَلقِ شخصية الملكة هيبي في المسرحية هو تصوير فساد وانحطاط الطبقة الحاكمة. تبرز طبيعتها المغرية النفاق والإفلاس الأخلاقي للنخبة. وفي حين أن دورها قد يكون لافتاً للنظر ومغرياً ، إلا أنه في النهاية يمثلُ تعليقاً ساخراً على ديناميكيات القوة.
من ناحية أخرى ، تمثل إيرنا في الشرفة نوعاً معيناً من الشخصية الأنثوية المغرية تعمل في بيت دعارة يسمى “The Balcony”. تجسد إيرنا النموذج الأصلي للسيدة المغرية ، وتلعب أدواراً جنسيةً مختلفةً لتلبية رغبات عملائها. هدفها في المسرحية هو تحدي مفاهيم القوة والهوية والواقع. تعمل طبيعة إيرنا المغرية كمحفز لاستكشاف موضوعات الخداع ولعب الأدوار وطمس الحدود بين الوهم والواقع. وعلى اية حال، فإن المسرحية تقع في تسعة مشاهد، يقوم فيها (((صفحة مسرح العبث))) متنكّرون وصوليّون ونفعيّون، هم خارج الثورة ولايؤمنون بآيديولوجياتها، ولا بقدرتها على صنع التغيير، بإقناع الناس بل وحتى إقناع الثوار بأن الوهم الذي تم إنشاؤه في بيت الدعارة هو أفضل من الواقع، وفق منطلقات: (الجسد/ بيع الوهم/ تعدد الأعراق).
في كلتا المسرحتين ، استخدَمت شخصيتا الملكة هيبي وإيرنا الإغواء كوسيلة للتلاعب بديناميكيات السلطة وتحدّيها. ومع ذلك ، فإن السياق والمواضيع المحيطة بأدوارهما يختلفان اختلافاً كبيراً. ففي حين أن إغراء الملكة هيبي في الملك أوبو سخيف ومضحك ، فإن إغواء إيرنا في الشرفة يعكس استكشافات فلسفية أعمق تحيط بالهوية والواقع.