يواصل شيخ الاحتفالية، د. عبد الكريم برشيد، حفرياته ونبشه وتأريخه، ونواصل النشر، شاكرين له ترخيصه لنا بذلك:
MA5TV الثقافية
بحسب الاحتفالي دائما، فان ( قراءة المسرح، قراءة علمية، لا يمكن أن تتحقق، وبشكل حقيقي وسليم، إلا من خلال رؤية علمية موضوعية عامة وشاملة وكلية ومتضمنة لكل الجزئيات الصغيرة المتنوعة؛ رؤية انتقائية وغير اختزالية، وغير نمطية، وغير نفعية، ويشترط فيها أن تكون بعيدة جدا عن الإسقاط وعن الأحكام القبلية الجاهزة، وعن النفعية وعن الحساسيات المرضية ) (البيانات الجديدة الاحتفالية المتجددة) الهيئة العربية للمسرح ـ الشارقة
ويمكن أن نقف قليلا عند السؤال التالي، والذي ورد في سياق حوار صحافي مطول دام شهورا طويلة في جريدة (المساء) المغربية، وهذا السؤال الذي ورد في حوار ذ رشيد عفيف مع الاحتفالي هو:
( في أي سياق جاء هذا المسرح الاحتفالي، والذي سيكون مدخلا لما سوف يكون من بعد هو الاحتفالية، وما الجديد فيهما؟)
وجوابا على هذا السؤال يقول الاحتفالي:
( لقد جاء في سياقات متعددة ومتنوعة، أهمها سياقان أساسيان اثنان، أولهما هو ذلك السياق الوطني والذي يمثله مولد مغرب جديد في فترة ما بعد الاستعمار سنة 1956، وأما السياق الثاني فهو سياق عربي عالمي أكبر وأوسع، وتمثله النكسة العربية في حزيران سنة 1967 وتمثله القضية الفلسطينية بكل تداعياتها المختلفة، وتمثله حركة المقاومة التحررية في كل العالم، وفي السياقين معا، كنا أمام هزتين قويتين لحد الزلزال، ولا شيء بعد الزلزال يبقى كما كان قبله، وكنا في حاجة إلى التغيير وإلى النقد الذاتي وإلى طرح سؤال الوجود وسؤال الهوية، أي نكون أو لا نكون؟ ونحن من نحن؟ ولقد كانت الحرية هي العنوان الأكبر والأبرز في تلك المرحلة الفارقة، وفي حال المغرب كان الانتصار السياسي يحيل على السؤال الأخطر، والذي هو: وماذا بعد؟ ولا شيء أصعب من هذا الما بعد، والذي يحيل على المجهول، والذي كان يفضي مغربيا، و بالضرورة، إلى مواصلة النضال، ولكن بشكل آخر مختلف، أي بذلك النضال الذي سماه الملك الراحل محمد الخامس بالجهاد الأكبر، أي الجهاد الوجودي والهوياتي والمعرفي والعلمي والفكري والاجتماعي والأخلاقي والجمالي، وذلك من أجل بناء مواطن مغربي جديد في وطن مغربي جديد وذلك في عالم جديد هو عالم ما بعد الحربين العالميتين، ويمكن أن ندرج اجتهادنا المسرحي في هذا الإطار، أي البحث عن مسرح ما بعد الفترة الكولونيالية، لهذا فقد كان الجديد في هذا المسرح هو روحه أولا، قبل أي شيء آخر، روحه الذي يشبهنا ونشبهه في كل شيء، ويشبه لحظته التاريخية أيضا، ولقد رفعنا شعارنا الذي يتجاوب مع المد التحرري في العالم الثالث والذي هو (تحرير المسرح والتحرر بالمسرح الحر) (كرسي الاعتراف) حوار مطول لجريدة (المساء المغربية) ذ، رشيد عفيف
فكر احتفالي على أرض احتفالية
هذه الاحتفالية إذن، هي أساسا بعث بعد موت، وهي نهوض بعد سقوط، وهي حضور بعد غياب، أو بعد غيبوبة فكرية وحضارية طويلة، وهي شكل من أشكال استعادة الوعي ومن استعادة الزمن الهارب، وهي نوع من أنواع القبض على جمر الحقيقة ولهيبها.
إن الذين ( أسسوا) هذه الاحتفالية ينتمون كلهم إلى لحظة تاريخية فارقة في الزمن المغربي والعربي والعالمي الحديث والمعاصر، وهم بهذا ينتمون إلى زمن انتقالي حي ومتحرك، والذي هو زمن العبور من العدم إلى الوجود، ومن الغياب إلى الحضور، ومن السقوط إلى النهوض، ومن الماضي الذي كان إلى االحاضر الآن، وإلى ما بعد الآن، والانتقال من الاتباع إلى الإبداع، والانتقال من مقاومة الدخيل القديم، في الفكر والفن والصناعة، إلى تأسيس الأصيل الجديد والمتجدد، وفي هذا السياق المركب، تلتقي نشوة الانتصار على المستوى الوطني، بمرارة الانهزام و الانكسار على المستوى السياسي القومي، ليشكل ذلك جرحا عميقا في عقل ونفس وروح ووجدان كل الاحتفاليين الباحثين عن لحظة فرح صادقة وحقيقية ( ولعل أخطر ما كان يميز تلك المرحلة التاريخية هو أنها كانت بحاجة إلى هزة قوية وعنيفة؛ هزة فكرية وجمالية وابداعية تعيد ترتيب الأفكار، وتعيد
ترتيب المفاهيم، وتعيد ترتيب الأولوبات) (عبد الكريم برشيد وخطاب البوح) ـ نفس المرجع السابق
إن الإبداع الاحتفالي إذن، سواء في الفكر أو في الفن، وبكل ما فيه من جنون عاقل، ومن هذيان خلاق، لم يكن إبداع أشخاص جاءوا من المريخ، أو في من وادي الجن في عبقر، ولكنه إبداع لحظته وإبداع جغرافيته وإبداع مجتمعه، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي ( إن الإبداع الكبير والخطير لا يتتأسس إلا بين الجماعات المبدعة، وفي المجتمعات الحية والمتحركة، هذا الإبداع تؤسسه قوى متعددة ومتنوعة ومتكاملة ومتحاورة، ابتداء من المبدع الأول، والذي يمثله المبدع الفرد، وانتهاء بالمبدع الكبير، والذي تمثله الجماعة المبدعة، أو المجتمع المبدع، أو تجسده اللحظة التاريخية المبدعة، ويحتاج هذا الفعل الإبداعي المركب إلى مناخ إبداعي حقيقي، وإلى شروط مادية ومعنوية فاعلة أو مساعدة على الفعل، كما يحاج إلى أرض وسماء، أرض ينطلق منها وسماء يحلق فيها، كما يحتاج إلى ماء وهواء، وإلى حرية يغيب فيها حراس الإبداع، ويختفي من ساحتها عسس الضمائر وسدنة الخيال و الاحتفال) (الاحتفالية بين جمر الإبداع ورماد الاتباع) (الملحق الثقافي) لجريدة (العلم) المغربية
وعليه، فإنه لا يكفي أن نتحدث عن هذه الاحتفالية، من دون أن نتحدث عن الرحم الذي تكونت نطفتها فيه، وعن المناخ الفكري والسياسي الذي نشأت فيه، وعن الجبهة التي ( حاربت) فيها، وعن الآخر الي ساعدها، وعن الآخر الذي عاكسها، وعن الآخر الذي اختلف معها، وعن الآخر الذي تنافس معها، وعن الآخر الذي أعطاها واخذ منها، مما يدل على أن هذه الاحتفالية تستحق علامة ( صنع في )
هي إذن صناعة صنعت في مكان محدد، وفي زمان محدد، ولكن هذا المكان موجود على الأرض، وهو مفتوح على كل الجغرافيات، كما أن ذلك الزمن الذي أوجدها لم أ يكن حاضرا منفصلا عن ماضيه، ولا منفصلا عن مستقبله، وفي هذا المعنى يقول ذ. محمد الشغروشني بمناسبة مناقشة (بيان تازة للاحتفالية المتجددة) وذاك في إطار انعقاد ليالي الفوانيس المسرحية مارس 2002 لقد قال ( وإذا كانت الحداثة تبشر بالقطيعة التامة مع الماضي، زمنا وتراثا ورموزا ثقافية، فإن الاحتفالية تنظر إلى الزمن الحاضر منفلتا باستمرار، وان الماضي لا يمضي ) قدور قطوسي ( الاحتفالية المتجددة وعيد جديد للاحتفال) وكالة المغرب العربي للأنباء
كل طرق الاحتفالية تؤدي الى الاحتفالية
وأول خطوة، كان على الاحتفالي أن يخطوها، هي خطوته باتجاه ذاته، وباتجاه معرفة حقيقة هذه الذات، ومعرفة موقعها في خرائط هذا العالم الجديد والمتجدد، ولذلك فقد قال الاحتفالي فيها: إن الأساس هو أن نعرف نحن من نحن، وأين نحن، وأن نعترف بتخلفنا بالنسبة لمن ولما حولنا، وأن نحاول بكل الطرق ـ الكائنة والممكنة ـ من أجل أن نكون في المقدمة مع المتقدين، بهذا الطموح قرأ الاحتفاليون تخلف العالم العربي المؤقت، والذي كانت له عوامل خارجية بكل تأكيد، ولكن كانت له عوامل داخلية وذاتية أيضا، وقد تجلت أساسا في الكسل وفي نقص الجرأة على المواجهة و التحدي، وبحسب د.عبد اللطيف ندير فإن المسرح الاحتفالي ( يعتبر أول تجربة تنظيرية مسرحية عرفها المغرب خلال أواسط السبعينيات من القرن الماضي، بعد تراكم كبير من الإبداع المسرحي، وبعد تفاعل وتجاذب مثير في النقد خلال مهرجانات مسرح الهواة، مما أثار الكثير من ردود الأفعال كان أهمها تواتر تيارات مسرحية متعددة ظهرت فيما بعد، أغنت ساحتنا المسرحية بمشاريع ورؤى، بعضها اتسم بالموضوعية، وبعضها الآخر جاء كرد فعل متسرع تغلب عليه العاطفة، ولا يستند إلى مرجعية فنية وجمالية، بقدر ما يرتكز على توجس سياسي وخطاب تبعي مغلف بشعارات أفرزتها المرحلة)
من مداخلة الدكتور نذير عبد اللطيف في ندوة (أربعون سنة من عمر الاحتفالية ) المعرض الدولي للكتاب والنشر ـ الدار البيضاء
وكما اأن الاحتفال واحد، في كل زمان ومكان، فإن مظاهره وظواهره وطقوسه متعددة، وبهذا فهو الواحد المتعدد والمتمدد في النفوس والأرواح وفي الأمكنة والأزمنة وفي الثقافات واللغات وفي التجارب الفنية المختلفة، وهذا ما يشير إليه د. محمد الوادي، مؤسس الاحتفالية الجديدة، والذي يرى التعدد والتنوع في هذا الاحتفال الواحد والأحد، وهو يشير إلى الحقيقة البسيطة التالية، والتي هي ( إمكانية اقتراف احتفاليات انطلاقا من الاحتفالية المتجددة مستدلا على ذلك بالاحتفالية الجمالية أو الاحتفالية الطقوسية او الاحتفالية التداولية أو الاحتفالية التناظرية أو التقابلية أو الاحتفالية التساؤلية أو غيرها من الاحتفاليات، لكن القاسم المشترك بين هاته الاحتفاليات هو الاحتفالية الأصل والجذر أي الاحتفالية الأم )