مواضيع ذات صلة

فنانون بدرجة دكتور، الصورة التي نحتاجها اليوم

بقلم :أسماء بن سعيد

في زمنٍ صار فيه الضجيج يُغطّي على الجوهر، والتفاهة تُروّج أكثر من الفكر، تبرز بعض النماذج المشرقة التي تُعيد للثقافة والفن هيبتهما، وتكسر الصور النمطية التي علقت طويلاً في أذهان الناس. من بين هذه النماذج، أسماءٌ تنتمي لعالم الفن لكنها اختارت أن تواصل مسارها الأكاديمي، وتؤكّد أن الفنان ليس فقط موهبة على الخشبة أو أمام الكاميرا، بل فكرٌ ومعرفة، وحامل لرسالة.
لطيفة أحرار، الوجه المسرحي المعروف، لم تكتفِ بما قدّمته فوق الخشبات، بل اختارت أن تدخل غمار البحث العلمي، وتناقش أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه، مضيفة إلى رصيدها الفني بُعدًا علميًا يعزز مكانتها كمثقفة وفنانة ملتزمة. كذلك هو باسو، الكوميدي الذي يعرفه الجمهور من خلال عروضه الساخرة، اختار أن يُفاجئنا بما هو أعمق، بنيل شهادة الدكتوراه، في مشهد ينسف النظرة السطحية التي ما زالت تُلاحق الفنانين.
هذه النماذج ليست استثناءات، بل شواهد حية على أن الإبداع لا يتعارض مع الجدية الأكاديمية، وأن الفنان الحقيقي هو من لا يكتفي بإرضاء الجمهور بل يسعى إلى تطوير نفسه وفكره. إن تسليط الضوء على هذه المسارات الملهمة ضرورة، ليس فقط للاحتفاء بهم، ولكن لتصحيح الفكرة المغلوطة عن الفنان في المخيال الجماعي، خاصة لدى فئة الشباب.
الفنان، حين يجمع بين الإبداع والمعرفة، يصبح نموذجًا حقيقيًا يُحتذى به، قادرًا على التأثير والمشاركة في النقاش العمومي، وربما حتى في مراكز القرار الثقافي. وهو ما نحتاج إليه في زمن تراجع فيه الخطاب الثقافي لصالح التفاهة المُصطنعة.
لهذا، لا بد من إعادة الاعتبار لهذه النماذج، وكتابة بورتريهات عنهم، لا كمجرّد فنانين نالوا شهادات، بل كفاعلين ثقافيين يُجسّدون الأمل في فنٍّ أكثر وعيًا، وجمهور أكثر احترامًا للفكر والمعرفة. فالثقافة، في النهاية، لا تكتمل دون هؤلاء الذين يربطون الفن بالعلم، ويصنعون الفرق في صمت.